responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الرحيق المختوم المؤلف : صفي الرحمن المباركفوري    الجزء : 1  صفحة : 405

نظرة على الغزوات‌

إذا نظرنا إلى غزوات النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) و بعوثه و سراياه، لا يمكن لنا و لا لأحد ممن ينظر في أوضاع الحروب و آثارها و خلفياتها- لا يمكن لنا إلا أن نقول: إن النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) كان أكبر قائد عسكري في الدنيا، و أسدهم و أعمقهم فراسة و تيقظا، إنه صاحب عبقرية فذة في هذا الوصف، كما كان سيد الرسل و أعظمهم في صفة النبوة و الرسالة، فلم يخض معركة من المعارك إلا في الظرف و من الجهة اللذين يقتضيهما الحزم و الشجاعة و التدبير، و لذلك لم يفشل في أي معركة من المعارك التي خاضها لغلطة في الحكمة و ما إليها من تعبئة الجيش، و تعيينه على المراكز الاستراتيجية، و احتلال أفضل المواضع و أوثقها للمجابهة، و اختيار أفضل خطة لإدارة دفة القتال، بل أثبت في كل ذلك أن له نوعا آخر من القيادة غير ما عرفتها و تعرف الدنيا في القواد. و لم يقع ما وقع في أحد و حنين إلا من بعض الضعف في أفراد الجيش- في حنين- أو من جهة معصيتهم أوامره، و تركهم التقيد و الالتزام بالحكمة و الخطة اللتين كان أوجبهما عليهم من حيث الوجهة العسكرية.

و قد تجلت عبقريته (صلّى اللّه عليه و سلم) في هاتين الغزوتين عند هزيمة المسلمين، فقد ثبت مجابها للعدو، و استطاع بحكمته الفذة أن يخيبهم في أهدافهم- كما فعل في أحد- أو يغير مجرى الحرب حتى يبدل الهزيمة انتصارا- كما في حنين- مع أن مثل هذا التطور الخطير، و مثل هذه الهزيمة الساحقة تأخذان بمشاعر القواد، و تتركان على أعصابهم أسوأ أثر، لا يبقى لهم بعد ذلك إلا هم النجاة بأنفسهم.

هذه هي من ناحية القيادة العسكرية الخالصة. أما من نواح أخرى، فإنه استطاع بهذه الغزوات فرض الأمن و بسط السلام، و إطفاء نار الفتنة، و كسر شوكة الأعداء في صراع الإسلام و الوثنية، و إلجائهم إلى المصالحة، و تخلية السبيل لنشر الدعوة، كما استطاع أن يتعرف على المخلصين من أصحابه ممن هو يبطن النفاق، و يضمر نوازع الغدر و الخيانة.

و قد أنشأ طائفة كبيرة من القواد الذين لاقوا بعده الفرس و الرومان في ميادين العراق‌

اسم الکتاب : الرحيق المختوم المؤلف : صفي الرحمن المباركفوري    الجزء : 1  صفحة : 405
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست