بمكة على التجارة إلى الشام في الصيف، و إلى الحبشة في الشتاء.
و دارت المناقشة حول هذا الموضوع، فقال الأسود بن عبد المطلب لصفوان: تنكب الطريق على الساحل و خذ طريق العراق- و هي طريق طويلة جدا تخترق نجدا إلى الشام، و تمر في شرقي المدينة على بعد كبير منها، و كانت قريش تجهل هذه الطريق كل الجهل- فأشار الأسود بن عبد المطلب على صفوان أن يتخذ فرات بن حيان- من بني بكر بن وائل- دليلا له، يكون رائده في هذه الرحلة.
و خرجت عير قريش يقودها صفوان بن أمية، آخذة الطريق الجديدة، إلا أن أنباء هذه القافلة و خطة سيرها طارت إلى المدينة. و ذلك أن سليط بن النعمان- و كان قد أسلم- اجتمع في مجلس شرب- و ذلك قبل تحريم الخمر- مع نعيم بن مسعود الأشجعي- و لم يكن أسلم إذ ذاك- فلما أخذت الخمر من نعيم تحدث بالتفصيل عن قضية العير و خطة سيرها، فأسرع سليط إلى النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) يروي له القصة.
و جهز رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) لوقته حملة قوامها مائة راكب في قيادة زيد بن حارثة الكلبي، و أسرع زيد حتى دهم القافلة بغتة- على حين غرة- و هي تنزل على ماء في أرض نجد يقال له قردة- بالفتح فالسكون- فاستولى عليها كلها، و لم يكن من صفوان و من معه من حرس القافلة إلا الفرار بدون أي مقاومة.
و أسر المسلمون دليل القافلة- فرات بن حيان، و قيل: و رجلين غيره- و حملوا غنيمة كبيرة من الأواني و الفضة كانت تحملها القافلة، قدرت قيمتها بمائة ألف، قسم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) هذه الغنيمة على أفراد السرية بعد أخذ الخمس، و أسلم فرات بن حيان على يديه (صلّى اللّه عليه و سلم) [1].
و كانت مأساة شديدة و نكبة كبيرة أصابت قريشا بعد بدر، اشتد لها قلق قريش، و زادتها هما و حزنا. و لم يبق أمامها إلا طريقان، إما أن تمتنع عن غطرستها و كبريائها، و تأخذ طريق الموادعة و المصالحة مع المسلمين، أو تقوم بحرب شاملة تعيد لها مجدها التليد و عزها القديم، و تقضي على قوات المسلمين، بحيث لا يبقى لهم سيطرة على هذا و لا ذاك، و قد اختارت مكة الطريق الثانية، فازداد إصرارها على المطالبة بالثأر، و التهيؤ للقاء المسلمين في تعبئة كاملة، و تصميمها على الغزو في ديارهم، فكان ذلك و ما سبق من أحداث التمهيد القوي لمعركة أحد.