ذلك لئلا يغتروا بشجاعتهم و بسالتهم، فتتسور نفوسهم الغطرسة و الكبرياء، بل ليتوكلوا على اللّه و يطيعوه و يطيعوا رسوله عليه الصلاة و السلام.
ثم بين لهم الأهداف و الأغراض النبيلة التي خاض الرسول (صلّى اللّه عليه و سلم) لأجلها هذه المعركة الدامية الرهيبة، و دلهم على الصفات و الأخلاق التي تسببت في الفتوح و في المعارك.
ثم خاطب المشركين و المنافقين و اليهود و أسارى المعركة، و عظهم موعظة بليغة، تهداهم إلى الاستسلام للحق و التقيد به.
ثم خاطب المسلمين حول موضوع الغنائم، قنّن لهم مبادئ و أسس هذه المسألة.
ثم بين و شرع لهم من قوانين الحرب و السلم ما كانت الحاجة تمس إليها بعد دخول الدعوة الإسلامية في هذه المرحلة، حتى تمتاز حروب المسلمين عن حروب أهل الجاهلية، و يقوم لهم التفوق في الأخلاق و القيم و المثل، و يتأكد للدنيا أن الإسلام ليس مجرد وجهة نظرية، بل إنه يثقف أهله عمليا على الأسس و المبادئ التي يدعو إليها.
ثم قرر بنودا من قوانين الدولة الإسلامية التي تقيم الفرق بين المسلمين الذين يسكنون داخل حدودها، و الذين يسكنون خارجها.
و في السنة الثانية من الهجرة فرض صيام رمضان، و فرضت زكاة الفطر، و بينت أنصبة الزكاة الأخرى، و كانت فريضة زكاة الفطر و تفصيل أنصبة الزكاة الأخرى، تخفيفا لكثير من الأوزار التي يعانيها عدد كبير من المهاجرين اللاجئين، الذين كانوا فقراء لا يستطيعون ضربا في الأرض.
و من أحسن المواقع و أروع الصدفات أن أول عيد تعيد به المسلمون في حياتهم هو العيد الذي وقع في شوال سنة 2 ه. إثر الفتح المبين الذي حصلوا عليه في غزوة بدر، فما أروع هذا العيد السعيد الذي جاء به اللّه بعد أن توج هامتهم بتاج الفتح و العز، و ما أروق منظر تلك الصلاة التي صلوها بعد أن خرجوا من بيوتهم يرفعون أصواتهم بالتكبير و التوحيد و التحميد، و قد فاضت قلوبهم رغبة إلى اللّه، و حنينا إلى رحمته و رضوانه بعد ما أولاهم من النعم، و أيدهم به من النصر، و ذكرهم بذلك قائلا: وَ اذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَ أَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الأنفال: 26].