و كانت عواطف الإيثار و المواساة و المؤانسة تمتزج في هذه الأخوة و تملأ المجتمع الجديد بأروع الأمثال [1].
فقد روى البخاري أنهم لما قدموا المدينة آخى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) بين عبد الرحمن و سعد ابن الربيع، فقال لعبد الرحمن: إني أكثر الأنصار مالا، فأقسم مالي. نصفين، ولي امرأتان، فانظر أعجبهما إليك فسمها لي، أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، قال:
بارك اللّه لك في أهلك و مالك، و أين سوقكم؟ فدلوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا و معه فضل من أقط و سمن، ثم تابع الغدو، ثم جاء يوما و به أثر صفرة، فقال النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) «مهيم؟» قال: تزوجت. قال: «كم سقت إليها؟» قال: نواة من ذهب [2].
و روي عن أبي هريرة قال: قالت الأنصار للنبي (صلّى اللّه عليه و سلم): اقسم بيننا و بين إخواننا النخيل. قال: «لا». فقالوا: فتكفونا المؤنة، و نشرككم في الثمرة. قالوا: سمعنا و أطعنا [3].
و هذا يدلنا على ما كان عليه الأنصار من الحفاوة البالغة بإخوانهم المهاجرين، و من التضحية و الإيثار و الود و الصفاء، و ما كان عليه المهاجرون من تقدير هذا الكرم حق قدره، فلم يستغلوه و لم ينالوا منه إلا بقدر ما يقيم أودهم.
و حقا فقد كانت هذه المؤاخاة حكمة فذة، و سياسة صائبة حكيمة، و حلا رائعا لكثير من المشاكل التي كان يواجهها المسلمون، و التي أشرنا إليها.
ميثاق التحالف الإسلامي:
و كما قام رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) بعقد المؤاخاة بين المؤمنين، قام بعقد معاهدة أزاح بها كل ما كان من حزازات الجاهلية، و النزعات القبلية، و لم يترك مجالا لتقاليد الجاهلية، و هاك بنودها ملخصا:
هذا كتاب من محمد النبي- (صلّى اللّه عليه و سلم)- بين المؤمنين و المسلمين من قريش و يثرب و من تبعهم فلحق بهم، و جاهد معهم:
1- أنهم أمة واحدة من دون الناس.
2- المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، و هم يفدون عانيهم