اسم الکتاب : الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله(ص) و الثلاثة الخلفاء المؤلف : أبو الربيع الحميري الكلاعي الجزء : 2 صفحة : 565
يرون ما المسلمون فيه من التضايق، فما الرأى الذي به نحمشهم و نستخرجهم إلى المناجزة؟.
فقال بعض المسلمين: التحصن عليهم أشد من المطاولة عليكم، فدعهم و طاولهم و قاتل من أتاك منهم.
فردوا جميعا عليه رأيه، و قالوا: إنا لعلى يقين من إنجاز ربنا موعده، فما لنا و للمطاولة حتى لا نجد منها بدا؟.
و تكلم [1] عمرو بن معدى كرب، يومئذ، فلم يوافقهم قوله الذي قال، و ردوه عليه.
و قال طليحة: أما أنا فأرى أن نبعث خيلا مؤدية، فيحدقوا بهم، ثم يراموهم ليحمشوهم و ينشبوا القتال، فإذا استحمشوا و اختلطوا بهم أرزت إلينا خيلنا تلك استطرادا، فإنا لم نستطرد لهم فى طول ما قاتلناهم، و إنا إذا فعلنا و رأوا ذلك منا طمعوا فى هزيمتنا و لم يشكوا فيها، فخرجوا فجادونا و جاددناهم، حتى يقضى الله فينا و فيهم ما أحب.
فأمر [2] النعمان القعقاع، صاحب المجردة، بذلك ففعل، و أنشب القتال، فأنغضهم فلما خرجوا نكص، ثم نكص، ثم نكص، فاغتنمتها الأعاجم، ففعلوا كما ظن طليحة و خرجوا، فلم يبق أحد إلا من يقوم لهم على الأبواب، و جعلوا يركبون القعقاع حتى أرزا إلى الناس، و انقطع القوم من حصنهم بعض الانقطاع، و النعمان و المسلمون على تعبئتهم فى يوم الجمعة و فى صدر النهار، و قد عهد النعمان إلى الناس عهده، و أمرهم أن يلزموا الأرض و لا يقاتلوهم حتى يأذن لهم، ففعلوا و استتروا بالحجف من الرمى، و أقبل المشركون عليهم يثفنونهم حتى أفشوا فيهم الجراحات، و شكا الناس ذلك بعضهم إلى بعض، ثم قالوا للنعمان: أ لا ترى ما نحن فيه؟ أ لا ترى ما لقى الناس؟ فما تنتظر بهم؟
ائذن للناس فى قتالهم، فقال النعمان: رويدا رويدا، تروا أمركم، فقال المغيرة: لو أن هذا الأمر إلىّ علمت ما أصنع، فقال النعمان: رويدا ترى أمرك، فقد كنت تلى الأمر فتحسن، و لا يخذلنا الله و إياك، و نحن نرجو فى المكث مثل الذي ترجو فى الحث.
و جعل النعمان ينتظر بالكتائب أحب الساعات كانت إلى رسول الله (صلى اللّه عليه و سلم) فى القتال أن يلقى فيها العدو، و ذلك عند الزوال و تفيؤ الأفياء و مهب الأرواح. فلما كان قريبا من