اسم الکتاب : الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله(ص) و الثلاثة الخلفاء المؤلف : أبو الربيع الحميري الكلاعي الجزء : 2 صفحة : 482
و خرج يومئذ رجل من أهل فارس ينادى: من يبارز، فبرز له علباء بن جحش العجلى، فبعجه علباء، فأصاب سحره، و بعج الفارسى علباء فخرق أمعاءه، و خرا جميعا، فأما الفارسى فمات من ساعته، و أما الآخر فانتثرت أمعاؤه، فلم يستطع القيام، فعالج ادخالها فلم يتأت له حتى مر به رجل من المسلمين فقال له: يا هذا أعنى على بطنى، فأدخله له، فأخذ بصفاقيه ثم زحف نحو صف فارس ما يلتفت إلى المسلمين، فأدركه الموت على رأس ثلاثين ذراعا من مصرعه إلى صف فارس. فقال:
أرجو بها من ربنا الثوابا* * * قد كنت ممن يحسن الضرابا
قالوا [1]: و قاتلت الفرسان يوم الكتائب فيما بين أن أصبحوا إلى انتصاف الليل، فكانت ليلة أرماث تدعى ليلة الهدأة، و ليلة أغواث تدعى ليلة السواد، و النصف الأول يدعى السواد، ثم لم يزل المسلمون يرون فى يوم أغواث الظفر على فارس، و قتلوا فيه عامة أعلامهم، و جالت فيه خيل القلب، و ثبت رجلهم، فلو لا أن خيلهم كرت أخذ رستم أخذا، فلما ذهب السواد تفايأ الناس و باتوا على مثل ما بات القوم عليه ليلة أرماث، و لم يزل المسلمون ينتمون لدن أمسوا إلى أن تفايئوا.
فلما أمسى سعد و سمع ذلك نام، و قال لبعض من عنده: إن تم الناس على الانتماء فلا توقظونى، فإنهم أقوياء على عدوهم، و إن سكتوا و لم ينتم الآخرون فلا توقظونى، فإنهم على التساوى، فإن سمعتم ينتمون فأيقظنى، فإنما انتماؤهم من السوء.
قالوا [2]: و لما اشتد القتال بالسواد، و كان أبو محجن قد حبس و قيد، فهو فى القصر، صعد حين أمسى إلى سعد يستعفيه و يستقيله، فزبره سعد و رده فنزل، و أتى سلمى بنت خصفة، فقال لها: يا بنت خصفة، هل لك إلى خير؟ قالت: و ما ذاك؟ قال: تخلين عنى و تعيرننى البلقاء، فالله علىّ إن سلمنى الله أن أرجع إليك حتى أضع رجلى فى قيدى، و إن أصبت و خشيت هذا فما أكثر من يفلت و يجرب صاحبه. فقالت: و ما أنا و ذاك فرجع يرسف فى قيوده و يقول:
كفى حزنا أن تردى الخيل بالقنا* * * و أترك مشدودا علىّ وثاقيا
إذا قمت عنانى الحديد و أغلقت* * * مصاريع من دونى تصم المناديا
و قد كنت ذا مال كثير و إخوة* * * فقد تركونى واحدا لا أخا ليا