و بعث بعد فتح حمص خالد بن الوليد إلى قنسرين، فلما نزل بالحاضر زحف إليه الروم و عليهم ميناس، و هو رأس الروم و أعظمهم فيهم بعد هرقل، فالتقوا بالحاضر، فقتل ميناس و من معه مقتلة عظيمة لم يقتلوا مثلها. فأما الروم فماتوا على دمه حتى لم يبق منهم أحد، و أما أهل الحاضر فأرسلوا إلى خالد أنهم عرب، و أنهم إنما حشدوا و لم يكن من رأيهم حربه، فقبل منهم و تركهم.
و لما بلغ ذلك عمر بن الخطاب رضى الله عنه، قال: أمر خالد نفسه، يرحم الله أبا بكر هو كان أعلم بالرجال منى، و كان قد عزله و المثنى بن حارثة عند قيامه، بالأمر، و قال: إنى لم أعزلهما عن ريبة، و لكن الناس عظموهما، فخشيت أن يوكلوا إليهما.
و يروى أنه قال حين ولى: و الله لأعزلن خالد بن الوليد و المثنى بن حارثة ليعلما أن الله إنما ينصر دينه لا إياهما. فلما كان من أمر خالد فى قنسرين ما كان، رجع عن رأيه.
و سار خالد حتى نزل على قنسرين، فتحصنوا منه، فقال: إنكم لو كنتم فى السحاب لحملنا الله إليكم أو لأنزلنكم إلينا. فنظروا فى أمرهم، و ذكروا ما لقى أهل حمص و قنسرين، فسألوه الصلح على مثل صلحها، فأبى إلا على إخراب المدينة، فأخربها.
و اتطأت حمص و قنسرين، فعند ذلك خنس هرقل و خرج نحو القسطنطينية. و أفلت رجل من الروم كان أسيرا فى أيدى المسلمين فلحق بهرقل، فقال له: أخبرنى عن هؤلاء القوم. فقال: أحدثك كأنك تنظر إليهم، فرسان بالنهار، و رهبان بالليل، ما يأكلون فى ذمتهم إلا بثمن، و لا يدخلون إلا بسلام، يقفون على من حاربهم حتى يأتوا عليه. فقال: