responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في ظلال القران المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 350
من الهجرة- إلى ما بعد «غزوة أحد» في السنة الثالثة. وما أحاط بهذه الحياة من ملابسات شتى في خلال هذه الفترة الزمنية. وفعل القرآن- إلى جانب الأحداث- في هذه الحياة، وتفاعله معها في شتى الجوانب.
والنصوص من القوة والحيوية بحيث تستحضر صورة هذه الفترة وصورة الحياة التي عاشتها الجماعة المسلمة وصورة الاشتباكات والملابسات التي أحاطت بهذه الحياة. مع استبطان السرائر والضمائر، وما يدب فيها من الخواطر، وما يشتجر فيها من المشاعر، حتي لكأن قارئها يعيش هذه الأحداث، ويعايش الأمة التي كانت تخوضها وتتفاعل وإياها. ولو أغمض الإنسان عينيه فلربما تراءت له- كما تراءت لي- شخوص الجماعة المسلمة رائحة غادية، بسماتها الظاهرة على الوجوه، ومشاعرها المستكنة في الضمائر. ومن حولها أعداؤها يتربصون بها، ويبيتون لها، ويلقون بينها بالفرية والشبهة، ويتحاقدون عليها، ويجمعون لها، ويلقونها في الميدان، وينهزمون أمامها- في أحد- ثم يكرون عليها فيوقعون بها.. وكل ما يجري في المعركة من حركة وكل ما يصاحب حركاتها من انفعال باطن وسمة ظاهرة.. والقرآن يتنزل ليواجه الكيد والدس، ويبطل الفرية والشبهة، ويثبت القلوب والاقدام، ويوجه الأرواح والأفكار، ويعقب على الحادث ويبرز منه العبرة، ويبني التصور ويزيل عنه الغبش، ويحذر الجماعة المسلمة من العدو الغادر والكيد الماكر، ويقود خطاها بين الأشواك والمصايد والأحابيل، قيادة الخبير بالفطرة العليم بما تكن الصدور..
ومن وراء هذا كله تبقى التوجيهات والتلقينات التي احتوتها السورة خالصة طليقة من قيد الزمان والمكان، وقيد الظروف والملابسات، تواجه النفس البشرية، وتواجه الجماعة المسلمة- اليوم وغدا- وتواجه الإنسانية كلها، وكأنها تتنزل اللحظة لها، وتخاطبها في شأنها الحاضر، وتواجهها في واقعها الراهن. ذلك أنها تتناول أمورا وأحداثا ومشاعر وجدانية وحالات نفسية كأنما كانت ملحوظة في سياق السورة.. بل هي ملحوظة قطعا في تقدير العليم الخبير بالنفوس والأشياء والأمور.
ومن ثم يتجلى أن هذا القرآن هو قرآن هذه الدعوة في أي مكان وفي أي زمان. وهو دستور هذه الأمة في أي جيل ومن أي قبيل. وهو حادي الطريق وهادي السبيل على توالي القرون.. ذلك أنه خطاب الله الأخير لهذا الإنسان في جميع العصور..
في هذه الفترة كانت الجماعة المسلمة في المدينة قد استقرت بعض الاستقرار في موطنها الجديد في مدينة الرسول- صلى الله عليه وسلم- ومضت خطوة وراء الموقف الذي صورناه من قبل في هذه الظلال في مطلع استعراض «سورة البقرة» [1] .
كانت غزوة بدر الكبرى قد وقعت وكتب الله فيها النصر للمسلمين على قريش. وكان هذا النصر بظروفه التي تم فيها والملابسات التي أحاطت به تبدو فيه رائحة المعجزة الخارقة.. ومن ثم اضطر رجل كعبد الله بن أبي بن سلول من عظماء الخزرج أن ينزل عن كبريائه وكراهته لهذا الدين ونبيه- صلى الله عليه وسلم- وأن يكبت حقده وحسده للرسول الكريم وأن ينضم- منافقا- للجماعة المسلمة، وهو يقول: «هذا أمر قد توجه» .. أي ظهرت له وجهة هو ماض فيها لا يردّه عنها راد!

[1] ص 27- ص 35 من الجزء الأول.
اسم الکتاب : في ظلال القران المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 350
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست