responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في ظلال القران المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 349
حينئذ ليواجه هذا كله، ويوجه خطاها في أرض المعركة الكبيرة: مع نفسها التي بين جنبيها، ومع أعدائها المتربصين بها في المدينة وفي مكة وفيما حولهما.. وفيما وراءهما كذلك..
أجل.. يجب أن نعيش مع تلك الجماعة الأولى ونتمثلها في بشريتها الحقيقية، وفي حياتها الواقعية، وفي مشكلاتها الإنسانية ونتأمل قيادة القرآن لها قيادة مباشرة في شؤونها اليومية وفي أهدافها الكلية على السواء ونرى كيف يأخذ القرآن بيدها خطوة خطوة. وهي تعثر وتنهض. وتحيد وتستقيم. وتضعف وتقاوم. وتتألم وتحتمل. وترقى الدرج الصاعد في بطء ومشقة، وفي صبر ومجاهدة، تتجلى فيها كل خصائص الإنسان، وكل ضعف الإنسان، وكل طاقات الإنسان.
ومن ثم نشعر أننا نحن أيضا مخاطبون بالقرآن في مثل ما خوطبت به الجماعة الأولى. وأن بشريتنا التي نراها ونعرفها ونحسها بكل خصائصها، تملك الاستجابة للقرآن، والانتفاع بقيادته في ذات الطريق.
إننا بهذه النظرة سنرى القرآن حيا يعمل في حياة الجماعة المسلمة الأولى ويملك أن يعمل في حياتنا نحن أيضا. وسنحس أنه معنا اليوم وغدا. وأنه ليس مجرد تراتيل تعبدية مهوّمة بعيدة عن واقعنا المحدد، كما أنه ليس تاريخا مضى وانقضى وبطلت فاعليته وتفاعله مع الحياة البشرية.
إن القرآن حقيقة ذات كينونة مستمرة كهذا الكون ذاته. الكون كتاب الله المنظور. والقرآن كتاب الله المقروء. وكلاهما شهادة ودليل على صاحبه المبدع كما أن كليهما كائن ليعمل.. والكون بنواميسه ما زال يتحرك ويؤدي دوره الذي قدره له بارئه. الشمس ما زالت تجري في فلكها وتؤدي دورها، والقمر والأرض، وسائر النجوم والكواكب لا يمنعها تطاول الزمان من أداء دورها، وجدة هذا الدور في المحيط الكوني..
والقرآن كذلك أدى دوره للبشرية، وما يزال هو هو. فالإنسان ما يزال هو هو كذلك. ما يزال هو هو في حقيقته وفي أصل فطرته. وهذا القرآن هو خطاب الله لهذا الإنسان- فيمن خاطبهم الله به. خطاب لا يتغير، لأن الإنسان ذاته لم يتبدل خلقا آخر، مهما تكن الظروف والملابسات قد تبدلت من حوله، ومهما يكن هو قد تأثر وأثر في هذه الظروف والملابسات [1] .. والقرآن يخاطبه في أصل فطرته وفي أصل حقيقته التي لا تبديل فيها ولا تغيير ويملك أن يوجه حياته اليوم وغدا لأنه معد لهذا، بما أنه خطاب الله الأخير وبما أن طبيعته كطبيعة هذا الكون ثابتة متحركة بدون تبديل.
وإذا كان من المضحك أن يقول قائل عن الشمس مثلا: هذا نجم قديم «رجعي؟» يحسن أن يستبدل به نجم جديد «تقدمي!» أو أن هذا «الإنسان» مخلوق قديم «رجعي» يحسن أن يستبدل به كائن آخر «تقدمي» لعمارة هذه الأرض!!! إذا كان من المضحك أن يقال هذا أو ذاك، فأولى أن يكون هذا هو الشأن في القرآن. خطاب الله الأخير للإنسان.
وهذه السورة تمثل قطاعا حيا من حياة الجماعة المسلمة في المدينة من بعد «غزوة بدر» - في السنة الثانية

[1] يراجع كتاب معركة التقاليد لمحمد قطب. «دار الشروق» .
اسم الکتاب : في ظلال القران المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 349
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست