responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان المؤلف : القمي النيسابوري، نظام الدين الحسن    الجزء : 4  صفحة : 474

موضع الأعم تأكيدا. قيل : السلام عليه يوم ولد لا بد أن يكون تفضلا من الله تعالى لأنه لم يتقدم منه عمل يجزى عليه ، وأما الآخران فيجوز أن يكونا لأجل الثواب. قلت : أكثر أموره خارق للعادة ، فيحتمل أن يوجد منه في بطن أمه عمل يستحق الثواب كما يحكى أن أمه قالت لمريم وهما حاملان : إني أرى ما في بطني يسجد لما في بطنك.

التأويل : إن زكريا الروح (نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا) من سر السر (قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ) مني عظم الروحانية واشتعل شيب صفات البشرية ، وإني خفت صفات النفس أن تغلب (وَكانَتِ امْرَأَتِي) يعني الجثة التي هي روح الروح (عاقِراً) لا تلد إلا بموهبة من الله (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ) سأل (وَلِيًّا) فأعطاه الله نبيا وهو في الحقيقة القلب الذي هو معدن العلم اللدني فإنه ولد الروح والنفس أعدى عدوه (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) أي يتصف بصفة الروح وجميع الصفات الروحانية (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) بأن توطنه من تجلي صفات ربوبيتك ما يرضى به نظيره (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) [الضحى : ٥] (اسْمُهُ يَحْيى) إن الله أحياه بنوره و (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) لا من الحيوانات ولا من الملائكة لأنه هو الذي يقبل فيض الألوهية بلا واسطة ، وهو سر حمل الأمانة كما قال : «ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن» (وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ) أي بسبب طول زمان تعلق القلب بالقالب (عِتِيًّا) يبسا وجفافا من غلبات صفات النفس (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ) لا تخاطب إلا الله ولا تلتفت إلى ما سواه (ثَلاثَ لَيالٍ) هي ثلاث مراتب الجماديات والحيوانيات والروحانيات (سَوِيًّا) متمكنا في هذا الحال من غير تلون (فَخَرَجَ) زكريا الروح من محراب هواه وطبعه على قوم صفات نفسه وقلبه وأنانيته ، فأشار إليهم أن كونوا متوجهين إلى الله معرضين عما سواه آناء الليل وأطراف النهار بل بكرة الأزل وعشيّ الأبد (يا يَحْيى) القلب (خُذِ) كتاب الفيض الإلهي المكتوب لك في الأزل (بِقُوَّةٍ) ربانية لا بقوة جسدانية لأنه خلق ضعيفا (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ) في صباه إذ خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره (زَكاةً) وتطهرا من الالتفات إلى غيرنا (وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ) الروح والقالب. أما بالروح فلأن القلب محل قبول الفيض الإلهي لأن الفيض نصيب الروح أوّلا ولكن لا يمسكه لغاية لطافته كما أن الهواء الصافي لا يقبل الضوء وينفذ فيه ، وأما القلب ففيه صفاء وكثافة فبالصفاء يقبل الفيض وبالكثافة يمسكه ، وهذا أحد أسرار حمل الأمانة. وأما بر والدة القالب فهو استعمالها على وفق الشريعة والطريقة (وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا) كالنفس الأمارة بالسوء وسلام عليه يوم يولد في أصل خلقه (وَيَوْمَ يَمُوتُ) من استعمال المعاصي بالتوبة (وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) بالتربية والترقي إلى مقام السلامة الله حسبي.

اسم الکتاب : تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان المؤلف : القمي النيسابوري، نظام الدين الحسن    الجزء : 4  صفحة : 474
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست