responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان المؤلف : القمي النيسابوري، نظام الدين الحسن    الجزء : 1  صفحة : 267

فاجرا. وأيضا ظاهر العمل الصالح لا يفيد اليقين بالجنة ، فلا عمل إلا بالإخلاص ، ولا حكم بالإخلاص إلا لله تعالى ، لأنه من عمل القلب وقلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء. ولهذا جاء «والمخلصون على خطر عظيم» وكان دأب الصدّيقين أن يخلطوا الطمع بالخوف ، والرغبة بالرهبة ، (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) [السجدة : ١٦] (وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً) [الأنبياء : ٩٠] وقيل : (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) [يونس : ٦٢] أمامهم فليس شيء أعظم في صدر الذي يموت مما بعد الموت ، فآمنهم الله تعالى ثم سلاهم فقال لهم (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [يونس : ٦٢] على ما خلفوه بعد وفاتهم في الدنيا. ثم إن الأئمة خصصوا نفي الخوف والحزن بالآخرة ، لأن مجاري الأمور في الدنيا لا تخلو من مواجب الخوف والحزن. وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم «خص البلاء بالأنبياء ثم بالأولياء ثم الأمثل فالأمثل» [١] قلنا : المؤمن الراضي بقضاء الله وقدره لا يرى شيئا من المكاره مكروها ، وإنما مراده مراد حبيبه (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء : ٦٥] فبترك الإرادة يصح نسبة العبودية ، وبالرضوان يحصل مفاتيح الجنان ، وتنكشف الهموم والأحزان ، ويتساوى الفقر والوجدان ، وتثبت حقيقة الإيمان (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) لجحدهم مولاهم (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) لإثباتهم حكما لهم بحسب مشتهاهم وهواهم (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) وملازموها دائما سرمدا سواء كانوا من الإنس أو من الجن ، أعاذنا الله منها بعميم فضله وجسيم طوله.

التأويل : إنكم تسجدون لله بالطبيعة الملكية الروحانية (اسْجُدُوا لِآدَمَ) بخلاف الطبيعة تعبدا ورقا وانقيادا للأمر وامتثالا للحكم ، اسجدوا له تعظيما لشأن خلافته وتكريما لفضيلته المخصوصة به ، فمن سجد له فقد سجد لله تعالى كما قال (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) اسجدوا لآدم لأجل آدم فإن عبادتكم وطاعتكم لا توجب ثوابا لكم ولا تزيد في درجاتكم ، ولكن فائدتها تعود إلى الإنسان لقوله (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) ولأن الإنسان يقتدي بهم في الطاعة ويتأدب بآدابهم في امتثال الأوامر والانزجار عن الإباء والاستكبار ، كيلا يلحقه من اللعن والبعد ما لحق إبليس (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) لأنهم خلقوا من نور ، والنور من شأنه الانقياد والإفاضة ، وأنه خلق من نار والنار من شأنها الاستعلاء طبعا (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) لأنه ستر الحق على آدم كما سمي إبليس لأنه أبلس الحق. (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ)


[١] رواه البخاري في كتاب المرضى باب ٣. ابن ماجة في كتاب الفتن باب ٢٣. الدارمي في كتاب الرقاق باب ٦٧. الترمذي في كتاب الزهد باب ٥٧ أحمد في مسنده (١ / ١٧٢ ، ١٧٤).

اسم الکتاب : تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان المؤلف : القمي النيسابوري، نظام الدين الحسن    الجزء : 1  صفحة : 267
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست