تصحبهم بما تحب أن يصحبوك به. وقيل : هو رسول وكتاب بدليل (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا
بِآياتِنا) [البقرة : ٣٩] في مقابلة (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ) في الإقدام على ما يلزم والإحجام عما يحرم فإنه سيصير
إلى حالة لا خوف فيها ولا حزن. وهذه الجملة مع اختصارها تجمع شيئا كثيرا من
المعاني ، لأن قوله (فَإِمَّا
يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) دخل فيه الإنعام بجميع الأدلة العقلية والشرعية وزيادة
البيان ، وجميع ما لا يتم ذلك إلا به من العقل ووجوه التمكين. وجمع قوله (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ) تأمل الأدلة بحقها والنظر فيها واستنتاج المعارف منها
والعمل بها ، وجمع قوله (فَلا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) جميع ما أعد الله تعالى لأوليائه ، لأن الخوف ألم يحصل
للنفس من توقع مكروه ، أو انتظار محذور ، وزواله يتضمن السلامة من جميع الآفات.
والحزن ألم يعرض للنفس لفقد محبوب أو فوات مطلوب ، ونفيه يقتضي الوصول إلى كل
اللذات والمرادات. وإنما قدم عدم الخوف على عدم الحزن لأن زوال ما لا ينبغي مقدم
على حصول ما ينبغي ، وهذا يدل على أن المكلف الذي أطاع الله تعالى لا يلحقه خوف
عند الموت ، ولا في القبر ، ولا عند البعث ، ولا عند حضور الموقف ، ولا عند تطاير
الكتب ، ولا عند نصب الميزان ، ولا عند الصراط (إِنَّ الَّذِينَ
قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ
أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ
تُوعَدُونَ) [فصلت : ٣٠] وقال قوم من المتكلمين : إن أهوال يوم القيامة تعم الكفار
والفساق والمؤمنين بدليل قوله تعالى (يَوْمَ تَرَوْنَها
تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها
وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى) [الحج : ٢] (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ
إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) [المزمل : ١٧] (يَوْمَ يَجْمَعُ
اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ) [المائدة : ١٠٩] (فَلَنَسْئَلَنَّ
الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) [الأعراف : ٦] وفي الحديث «تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم
كمقدار ميل ، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلى كعبه ،
ومنهم من يكون إلى ركبتيه ، ومنهم من يكون إلى حقويه ، ومنهم من يلجمه العرق
إلجاما ، وأشار رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيده إلى فيه» [١]. وحديث الشفاعة وقول كل نبي «نفسي نفسي» إلا نبينا صلىاللهعليهوسلم فإنه يقول : أمتي أمتي مشهور. قلت : لا ريب أن وعد الله
حق ، فمن وعده الأمن يكون آمنا لا محالة ، إلا أن الإنسان خلق ضعيفا لا يستيقن
الأمن الكلي ما لم يصل إلى الجنة ، لأنه لا يطمئن قلبه ما لم ينضم له إلى علم
اليقين عين اليقين ، وأيضا إن جلال الله وعظمته يدهش الإنسان برا كان أو