responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 348
أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَحُرِّيَّةِ دِينِهِمْ، فَغَدَرُوا وَنَقَضُوا الْعَهْدَ بِمُوَالَاةِ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِ مِرَارًا، وَكَانَ يَعْفُو عَنْهُمْ وَيَصْفَحُ حَتَّى أَذِنَ اللهُ لَهُ بِقِتَالِهِمْ وَإِجْلَائِهِمْ.
(قَالَ الْأُسْتَاذُ) : ثُمَّ بَعْدَ الْوَعْدِ بِالنَّصْرِ وَالْإِرْشَادِ إِلَى الِاعْتِمَادِ فِيهِ عَلَى الْقُدْرَةِ دَلَّهُمْ عَلَى بَعْضِ وَسَائِلِ تَحَقُّقِهِ، وَهِيَ الصَّلَاةُ الَّتِي تُوَثِّقُ عُرْوَةَ الْإِيْمَانِ، وَتُعْلِي الْهِمَّةَ، وَتَرْفَعُ النَّفْسَ بِمُنَاجَاةِ اللهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ، وَتُؤَلِّفُ بَيْنَ الْقُلُوبِ بِالِاجْتِمَاعِ لَهَا، وَالتَّعَارُفِ فِي مَسَاجِدِهَا، وَالزَّكَاةِ الَّتِي تَصِلُ بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ فَتَتَكَوَّنُ بِاتِّصَالِهِمْ وَحْدَةُ الْأُمَّةِ حَتَّى تَكُونَ كَجِسْمٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) ، وَلَمْ تُذْكَرْ إِقَامَةُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ إِلَّا وَالْمَقَامُ يَقْتَضِي الذِّكْرَ لِبَيَانِ فَائِدَةٍ خَاصَّةٍ لِهَذَا الْأَمْرِ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُسْتَفَادَ مِنْ ذِكْرِهِمَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ إِقَامَةَ الصَّلَاةِ لَيْسَتْ عِبَارَةً عَنْ أَدَائِهَا مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا هِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهَا الرُّوحِيَّةِ فِي صُورَتِهَا الْعَمَلِيَّةِ، وَذَلِكَ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى اللهِ - تَعَالَى - وَمُنَاجَاتِهِ وَالِانْقِطَاعِ إِلَيْهِ عَمَّا عَدَاهُ، وَإِشْعَارِ الْقَلْبِ عَظَمَتَهُ وَكِبْرِيَاءَهُ، فَبِهَذَا الشُّعُورِ يَنْمُو الْإِيْمَانُ، وَتَقْوَى الثِّقَةُ بِاللهِ، وَتَتَنَزَّهُ النَّفْسُ أَنْ تَأْتِيَ الْفَوَاحِشَ وَالْمُنْكَرَاتِ، وَتَسْتَنِيرُ الْبَصِيرَةُ فَتَكُونُ أَقْوَى نَفَاذًا فِي الْحَقِّ، وَأَشَدَّ بُعْدًا عَنِ الْأَهْوَاءِ، فَنُفُوسُ الْمُصَلِّينَ جَدِيرَةٌ بِالنَّصْرِ لِمَا تُعْطِيهَا الصَّلَاةُ مِنَ الْقُوَّةِ الْمَعْنَوِيَّةِ، وَمِنَ الثِّقَةِ بِقُدْرَةِ اللهِ - تَعَالَى -، فَإِذَا كَانَ قَوْلُهُ - تَعَالَى - بَعْدَ الْوَعْدِ بِالنَّصْرِ: (إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) دَلِيلًا أَيَّدَ بِهِ الْوَعْدَ، فَقَوْلُهُ: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) هِدَايَةً إِلَى طَرِيقِ الِاقْتِنَاعِ التَّامِّ بِهَذَا الدَّلِيلِ حَتَّى يَكُونَ وِجْدَانًا لِلنَّفْسِ لَا تُزَلْزِلُهُ الشُّبُهَاتُ، وَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الْمُشَاغَبَاتُ وَالْمُجَادَلَاتُ.
وَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْقُرْآنِ بِقَرْنِ الزَّكَاةِ بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لِإِصْلَاحِ نُفُوسِ الْأَفْرَادِ، وَالزَّكَاةَ لِإِصْلَاحِ شُئُونِ الِاجْتِمَاعِ، ثُمَّ إِنَّ فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ مَا فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْمَالَ - كَمَا يَقُولُونَ - شَقِيقُ الرُّوحِ، فَمَنْ جَادَ بِهِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ - تَعَالَى - كَانَ بَذْلُهُ مَزِيدًا فِي إِيْمَانِهِ، فَهِيَ إِصْلَاحٌ رُوحِيٌّ أَيْضًا.
وَبَعْدَ أَنْ أَمَرَ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فِي سِيَاقٍ كَشَفَ شُبْهَةَ مَنْ يَشْتَبِهُ مِنْ ضُعَفَاءِ الْإِيْمَانِ فِي نَصْرِ اللهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَجَعْلِ السُّلْطَانِ لَهُمْ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَبَيَانِ أَنَّ إِقَامَةَ
هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ مِنْ وَسَائِلِ النَّصْرِ وَالسُّلْطَانِ فِي الدُّنْيَا، بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ السَّعَادَةِ فِي الْآخِرَةِ، فَقَالَ: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) ، وَلَكِنَّ الْبَيَانَ جَاءَ فِي صُورَةٍ عَامَّةٍ، وَهَذَا مِنَ الْأَسَالِيبِ الَّتِي لَا تَكَادُ تَجِدُ لَهَا فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ نَظِيرًا يَنْتَقِلُ مِنْ بَيَانِ حُكْمٍ إِلَى آخَرَ، فَيَكُونُ الثَّانِي قَائِمًا بِنَفْسِهِ وَشَامِلًا لِلْأَوَّلِ بِعُمُومِهِ، وَتَكُونُ صِلَةُ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ هِيَ الرَّابِطَ فِي النَّظْمِ. وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: (تَجِدُوهُ) هُوَ كَقَوْلِهِ: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) (99: 7) وَقَالُوا: إِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَرَى وَيَجِدُ جَزَاءَهُ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْجَزَاءُ مَبْنِيًّا عَلَى أَثَرِ الْعَمَلِ فِي نَفْسِ الْعَامِلِ وَارْتِقَائِهَا بِهِ كَانَ الْجَزَاءُ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 348
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست