responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 17  صفحة : 194
[في قوله تعالى إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً] اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الدَّلَائِلَ الدَّالَّةَ عَلَى إِثْبَاتِ الْمَبْدَأِ، أَرْدَفَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِالْمَعَادِ. وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي بَيَانِ أَنَّ إِنْكَارَ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ لَيْسَ مِنَ الْعُلُومِ الْبَدِيهِيَّةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: الأول: أن العقلاء اختلفوا في وُقُوعِهِ وَقَالَ بِإِمْكَانِهِ عَالَمٌ مِنَ النَّاسِ، وَهُمْ جُمْهُورُ أَرْبَابِ الْمِلَلِ وَالْأَدْيَانِ. وَمَا كَانَ مَعْلُومَ الِامْتِنَاعِ بِالْبَدِيهَةِ امْتَنَعَ وُقُوعُ الِاخْتِلَافِ فِيهِ. الثَّانِي: أَنَّا إِذَا رَجَعْنَا إِلَى عُقُولِنَا السَّلِيمَةِ، وَعَرَضْنَا عَلَيْهَا أَنَّ الْوَاحِدَ ضِعْفُ الِاثْنَيْنِ، وَعَرَضْنَا عَلَيْهَا أَيْضًا هَذِهِ الْقَضِيَّةَ، لَمْ نَجِدْ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ فِي قُوَّةِ الِامْتِنَاعِ مِثْلَ الْقَضِيَّةِ الْأُولَى. الثَّالِثُ: أَنَّا إِمَّا أَنْ نَقُولَ بِثُبُوتِ النَّفْسِ النَّاطِقَةِ أَوْ لَا نَقُولَ بِهِ فَإِنْ قُلْنَا بِهِ فَقَدْ زَالَ الْإِشْكَالُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَإِنَّهُ كَمَا لَا يَمْتَنِعُ تَعَلُّقُ هَذِهِ النَّفْسِ بِالْبَدَنِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، لَمْ يَمْتَنِعْ تَعَلُّقُهَا بِالْبَدَنِ مَرَّةً أُخْرَى وَإِنْ أَنْكَرْنَا الْقَوْلَ بِالنَّفْسِ فَالِاحْتِمَالُ أَيْضًا قَائِمٌ، لِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُرَكِّبُ تِلْكَ الْأَجْزَاءَ الْمُفَرَّقَةَ تَرْكِيبًا ثَانِيًا، وَيَخْلُقُ الْإِنْسَانَ الْأَوَّلَ مَرَّةً أُخْرَى. وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ أَمْثِلَةً كَثِيرَةً دَالَّةً عَلَى إِمْكَانِ الْحَشْرِ والنشر ونحن نجمعها هاهنا.
فَالْمِثَالُ الْأَوَّلُ: أَنَّا نَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً وَقْتَ الْخَرِيفِ، وَنَرَى الْيُبْسَ مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهَا بِسَبَبِ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي الصَّيْفِ. ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى يُنْزِلُ الْمَطَرَ عَلَيْهَا وَقْتَ الشِّتَاءِ وَالرَّبِيعِ، فَتَصِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَحَلِّيَةً بِالْأَزْهَارِ الْعَجِيبَةِ وَالْأَنْوَارِ الْغَرِيبَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ [فَاطِرٍ: 9] وَثَانِيهَا: قوله تعالى: تَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِلَى قَوْلِهِ: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى [الْحَجِّ: 5، 6] وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ/ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ [الزُّمَرِ: 21] وَالْمُرَادُ كَوْنُهُ مُنَبِّهًا عَلَى أَمْرِ الْمَعَادِ. وَرَابِعُهَا: قَوْلُهُ:
ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ [عَبَسَ: 21- 24]
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّبِيعَ فَأَكْثِرُوا ذِكْرَ النُّشُورِ»
وَلَمْ تَحْصُلِ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَ الرَّبِيعِ وَبَيْنَ النُّشُورِ إِلَّا مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: مَا يَجِدُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا مِنْ نَفْسِهِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّمُوِّ بِسَبَبِ السِّمَنِ، وَمِنَ النُّقْصَانِ وَالذُّبُولِ بِسَبَبِ الْهُزَالِ، ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ يَعُودُ إِلَى حَالَتِهِ الْأُولَى بِالسِّمَنِ.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: مَا جَازَ تَكَوُّنُ بَعْضِهِ لَمْ يَمْتَنِعْ أَيْضًا تَكَوُّنُ كُلِّهِ، وَلَمَّا ثَبَتَ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ الْإِعَادَةَ غَيْرُ مُمْتَنِعَةٍ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ
[الْوَاقِعَةِ: 61] يَعْنِي أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا كَانَ قَادِرًا عَلَى إِنْشَاءِ ذَوَاتِكُمْ أَوَّلًا ثُمَّ عَلَى إِنْشَاءِ أَجْزَائِكِمْ حَالَ حَيَاتِكُمْ ثَانِيًا شَيْئًا فَشَيْئًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونُوا عَالِمِينَ بِوَقْتِ حُدُوثِهِ وَبِوَقْتِ نُقْصَانِهِ فَوَجَبَ الْقَطْعُ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ إِعَادَتُكُمْ بَعْدَ الْبِلَى فِي الْقُبُورِ لِحَشْرِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَخْلُقَنَا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ، فَلَأَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى إِيجَادِنَا مَرَّةً أُخْرَى مَعَ سَبْقِ الْإِيجَادِ الْأَوَّلِ كَانَ أَوْلَى، وَهَذَا الْكَلَامُ قَرَّرَهُ تَعَالَى فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وهو قوله: إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ يس: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ
اسم الکتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 17  صفحة : 194
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست