responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 17  صفحة : 193
والحكمة والعلم والإحاطة التدبير، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُبْدِعُ جَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ، وَإِلَيْهِ تَنْتَهِي الْحَاجَاتُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّ تَدْبِيرَهُ لِلْأَشْيَاءِ وَصُنْعَهُ لَهَا، لَا يَكُونُ بِشَفَاعَةِ شَفِيعٍ وَتَدْبِيرِ مُدَبِّرٍ وَلَا يَسْتَجْرِئُ أَحَدٌ أَنْ يَشْفَعَ إِلَيْهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا بَعْدَ إِذْنِهِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَوْضِعِ الْحِكْمَةِ وَالصَّوَابِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَسْأَلُوهُ مَا لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ صَوَابٌ وَصَلَاحٌ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَلِيقُ ذِكْرُ الشَّفِيعِ بِصِفَةِ مَبْدَئِيَّةِ الْخَلْقِ، وَإِنَّمَا يَلِيقُ ذِكْرُهُ بِأَحْوَالِ الْقِيَامَةِ؟
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الزَّجَّاجُ: وَهُوَ أَنَّ الْكُفَّارَ الَّذِينَ كَانُوا مُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ الْأَصْنَامَ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ، فَالْمُرَادُ مِنْهُ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ فِي هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ [النَّبَأِ: 38] .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ كَوْنَهُ إِلَهًا لِلْعَالَمِ مُسْتَقِلًّا بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ شَرِيكٍ وَلَا مُنَازِعٍ، بَيَّنَ أَمْرَ الْمَبْدَأِ بِقَوْلِهِ: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ وَبَيَّنَ حَالَ الْمَعَادِ بِقَوْلِهِ: مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: يُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ تَعَالَى وَضَعَ تَدْبِيرَ الْأُمُورِ فِي أَوَّلِ خَلْقِ الْعَالَمِ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ وَأَقْرَبِهَا مِنْ رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ، مَعَ أَنَّهُ مَا كَانَ هُنَاكَ شَفِيعٌ يَشْفَعُ فِي طَلَبِ تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ إِلَهَ الْعَالَمِ نَاظِرٌ لِعِبَادِهِ مُحْسِنٌ إِلَيْهِمْ مُرِيدٌ لِلْخَيْرِ وَالرَّأْفَةِ بِهِمْ، وَلَا حَاجَةَ فِي كَوْنِهِ سُبْحَانَهُ كَذَلِكَ إِلَى حُضُورِ شَفِيعٍ يَشْفَعُ فِيهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: فِي تَفْسِيرِ هَذَا الشَّفِيعِ مَا ذَكَرَهُ أَبُو مسلم الأصفهاني، فقال: الشفيع هاهنا هُوَ الثَّانِي، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الشَّفْعِ الَّذِي يُخَالِفُ الْوَتْرَ، كَمَا يُقَالُ الزَّوْجُ وَالْفَرْدُ، فَمَعْنَى الآية خلق السموات وَالْأَرْضَ وَحْدَهُ وَلَا حَيَّ مَعَهُ وَلَا شَرِيكَ يُعِينُهُ، ثُمَّ خَلَقَ الْمَلَائِكَةَ وَالْجِنَّ وَالْبَشَرَ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ أَيْ لَمْ يَحْدُثْ أَحَدٌ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْوُجُودِ، إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ قَالَ لَهُ: كُنْ، حَتَّى كَانَ وَحَصَلَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ هَذِهِ الدَّلَائِلَ وَشَرَحَ هَذِهِ الْأَحْوَالَ، خَتَمَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ مُبَيِّنًا بِذَلِكَ أَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لَهُ، وَمُنَبِّهًا عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِجَمِيعِ الْعِبَادَاتِ لِأَجْلِ أَنَّهُ هُوَ الْمُنْعِمُ بِجَمِيعِ النِّعَمِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَوَصَفَهَا.
ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: أَفَلا تَذَكَّرُونَ دَالًّا بِذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ التَّفَكُّرِ فِي تِلْكَ الدَّلَائِلِ الْقَاهِرَةِ الْبَاهِرَةِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّفَكُّرَ فِي مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَالِاسْتِدْلَالَ بِهَا عَلَى جَلَالَتِهِ وَعِزَّتِهِ وَعَظَمَتِهِ، أعلى/ المراتب وأكمل الدرجات.

[سورة يونس (10) : آية 4]
إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (4)
اسم الکتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 17  صفحة : 193
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست