responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : نور الطرف ونور الظرف المؤلف : الحُصري القيرواني    الجزء : 1  صفحة : 53
ولما خلع المأمون أخاه بخراسان، ووجه بطاهر بن الحسين لمحاربته، كان يعمل بعيوبه كتباً تقرأ على منابر خراسان، ويقف رجل فيذم أهل العراق ويقول: [هم] أهل فسق وخمور، وفجور وماخور، ويعيب الأمين فيقول: استصحب رجلاً شاعراً ماجناً كافراً استخلصه معه لشرب الخمر وارتكاب المآثم ونيل المحارم، وهو الذي يقول:

ألا فاسقني خمراً وقل لي: هي الخمر ... ولا تسقني سراً إذا أمكن الجهر
وبح باسم من تهوى ودعني من الكنى ... فلا خير في اللذات من دونها ستر
فاتصل ذلك بالأمين، فحبس أبو نواس برأي الفضل بن الربيع، ثم أطلقه بعد أن أخذ عليه عهداً ألا يشرب الخمر ولا يقول فيها شعراً، فقال أبو نواس:

أيها الرائحان باللوم لوما ... لا أذوق المدام إلا شميما
نالني بالملام فيها إمام ... ما أرى لي خلافه مستقيما
فاصرفاها إلى سواي فإني ... لست إلا على الحديث نديما
كبر حظي منها إذا هي دارت ... أن أراها وأن أشم النسيما
فكأني وما أزين منها ... قعدي يزين التحكيما
كل عن حمله السلاح إلى الحر ... ب فأوصى المطيق ألا يقيما
القعدة: فرقة من الخوارج يرون الخروج ولا يخرجون. وزعم المبرد أنه لم يسبق إلى هذا المعنى.
وقال في ذلك أيضاً:

غننا بالطلول كيف بلينا ... واسقنا نعطك الثناء الثمينا
من سلاف كأنها كل شيء ... يتمنى مخير أن يكونا
أكل الدهر ما تجسم منها ... وتبقى لبابها المكنونا
فإذا ما لمستها فهباء ... يمنع الكف ما تبيح العيونا
ثم شجت فاستضحكت عن لآل ... لو تجمعن في يد لاقتنينا
في كؤوس كأنهن نجوم ... دائرات، بروجها أيدينا
طالعات من السقاة علينا ... فإذا ما غربن يغربن فينا
لو ترى الشرب حولها من بعيد ... قلت: قوم من قرة يصطلونا
وغزال يديرها ببنان ... ناعمات يزيدها الغمز لينا
كلما شئت علني برضاب ... يترك القلب للسرور قرينا
ذاك عيش لو دام لي غير أني ... عفتها مكرهاً وخفت الأمينا
وله في ذلك شعر كثير وإنما تبع أبا معاذ بشار بن برد في ذلك لأنه لما قال:

لا يؤيسنك من مخبأة ... قول تغلظه وإن جرحا
عسر النساء إلى مياسرة ... والصعب يمكن بعدما جمحا
بلغ ذلك المهدي فغاظه وقال: يحضر الناس على الفجور، ويسهل لهم السبيل إليه، فقال له خاله يزيد بن منصور الحميري وكان مراغماً لبشار: يا أمير المؤمنين: إن النساء قد فتن بشعره، وأي امرأة لا تصبو إذا سمعت قوله:

عجبت فطمة من نعتي لها ... هل يجيد النعت مكفوف البصر
بنت عشر وثلاث قسمت ... بين غصن وكثيب وقمر
درة بحرية مكنونة ... مازها التاجر من بين الدرر
أذرت الدمع وقالت: ويلتي ... من ولوع الكف ركاب الخطر
أمتي بدد هذا لعبي ... ووشاحي حله حتى انتثر
فدعيني معه يا أمتي ... علنا في خلوة نقضي الوطر
أقبلت في خلوة تضربها ... واعتراها كجنون مستعر
بأبي والله ما أحسنه ... دمع عين غسل الكحل قطر
أيها النوام هبوا ويحكم ... وسلوني اليوم ما طعم السهر
فنهاه المهدي عن الغزل، فقال في ترك ذلك:

يا منظراًحسناً رأيته ... من وجه جارية فديته
لمعت إلى تسومني ... ثوب الشباب وقد طويته
والله رب محمد ... ما إن غدرت ولا نويته
أعرضت عنك وربما ... عرض البلاء وما أبتغيته
ويشوقني بين الحبي? ... ب إذا ادكرت وأين بيته
ومخضب رخص البنا ... ن بكى علي وما بكيته
إن الخليفة قد أبى ... وإذا أبى شيئاً أبيته
قام الخليفة دونه ... فصبرت عنه وما قليته
ونهاني الملك الإما ... م عن النساء فما عصيته
بل قد وفيت ولم أضع ... عهداً ولا وأياً وأيته
وقال في ذلك أيضاً:

والله لولا رضا الخليفة ما ... أعطيت ضيماً علي في شجني
قد عشت بين الندمان والرا ... ح والمزهر في ظل مجلس حسن
ثم نهاني المهدي فانصرفت ... نفسي فعال الموفق اللقن
ومن شعره المعجب في الغزل قوله:
اسم الکتاب : نور الطرف ونور الظرف المؤلف : الحُصري القيرواني    الجزء : 1  صفحة : 53
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست