يخطف أبصارهم فلما أضاء لهم مشوا فيه و إذا أظلم عليهم قاموا، فقال: هذا يجب أن يكون صفة الخمر، ثم أنشدني:
و سيّارة ضلّت عن القصد بعد ما # بدا دونهم أفق من الليل مظلم
فلاحت منّا على النّار قهوة # كأنّ سناها ضوء نار تضرم [1]
إذا ما حسوناها أقاموا مكانهم # و إن أظهرت حثّوا الركاب و يمّموا [2]
قال ابن الأعرابي: جميع ما قاله أبو نواس حسن، و أحسنه قوله:
لا يسكن الليل حيث حلّت # فليل شرّابها نهار
و قال آخر:
و اهتدى سار الظّلام به # كاهتداء السفر بالعلم
قيل: رق و صفا حتى كاد يخفى. و قيل: أصفى من الشراب و أخفى من السراب.
كمعنى دقّ في لفظ بديع
و قال ابن المعتز:
كأن بكأسها نارا تلظّى # فلو لا الماء كان لها حريق
وصف رقّة الإناء و الخمر معا
قال البحتري:
يخفي الزجاجة لونها فكأنّها # في الكفّ قائمة بغير إناء
و قال الصاحب، و قيل هما لأبي نواس:
رقّ الزّجاج و راقت الخمر # و تقاربا فتشابه الأمر
فكأنّما خمر و لا قدح # و كأنّما قدح و لا خمر
وصفها بأنها تخضّب الكفّ
قال شاعر:
تحسب الظبي إذا طاف بها # قبل أن يسقيكها مختضبا [3]
و قال الخباز البلدي:
و هي تكسو كفّ شاربها # دستبانات من الذّهب
كأنّهم الهبوا بينهم # حريقا و أيديهم تستعر [4]
[1] سناها: ضياؤها-القهوة: من أسماء الخمر.
[2] حثّوا الركاب: أعجلوا بالسير-يمّموا: قصدوا و توجهوا.
[3] مختضبا: ملطّخا بها.
[4] ألهبوا حريقا: أشعلوا نارا.