اسم الکتاب : محاضرات الأدباء و محاورات الشعراء و البلغاء المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 749
عذر من قدّم ما حضر
نزل ضيف بأعرابية فقدمت له خبزا يابسا و لبنا حامضا، فذمّها و قال:
أ لم تر أن المرء من ضيق عيشه # يلام على أخلاقه و هو معذر
و ما ذاك من لؤم و لا من ضراعة # و لكنّه إن يطبل الدهر يزمّر [1]
و قال آخر:
إذا أنت لم تشرك رفيقك في الذي # يكون قليلا لم تشاركه في الفضل
و قال آخر:
أقلّ عارا إذا ضيف تضيّفني # ما كان عندي إذا أعطيت مجهودي
جهد المقلّ إذا أعطاك نائله # و مكثر من غنى سيّان في الجود
عذر من لم يقدر
استضاف قوم ابن هرمة فخرجت بنيّة له فصرفتهم و اعتذرت إليهم، فقالوا لها: أ ليس أبوك القائل:
لا أمنع العود بالفصال و لا # أبتاع إلاّ قريبة الأجل
قالت: هذا الفعل هو الذي ترككم بلا قرى. و قال رجل لمن سأله فلم يعطه فعاتبه:
بيتي يبخل لا أنا.
عتب من لم يرض بما حضر
قال شقيق: دخلنا على سلمان، فقدم إلينا شيئا، و قال: لو لا أن النبي صلّى اللّه عليه و سلم نهانا أن نتكلف للضيف لتكلّفت لكم. فجاءنا بخبز و ملح فاقترحنا عليه السعتر فذهب بمطهرته، فلما أكلنا، قال أحدنا: الحمد للّه الذي قنعنا بما رزقنا، فقال سلمان: لو قنعكم لم تكن مطهرتي [2] مرهونة. و قيل: ليس بكريم من لم يقنع بما حضر.
مدح من آثر على نفسه أو أهله
نزل ضيف على أنصاري، و كان عنده شيء طفيف فأحضره، و أطفأ السراج ليأكل الضيف فلا يشاركه فيه، فلما أصبح قال النبي صلّى اللّه عليه و سلم: عجب ربكم تعالى البارحة منكم فأنزل اللّه عز و جل: وَ يُؤْثِرُونَ عَلىََ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كََانَ بِهِمْ خَصََاصَةٌ[3] و قال صوفي لآخر: كيف يعمل فقراؤكم، قال: إذا وجدوا أكلوا و إذا عدموا صبروا، فقال: هذا فعل الكلاب إن الفقير منّا إذا عدم صبر و إذا وجد طعاما آثر به غيره. و قال مالك بن دينار يوما: ما أكلت