اسم الکتاب : محاضرات الأدباء و محاورات الشعراء و البلغاء المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 557
مدح الدّين و الرخصة فيه
قال النبي صلّى اللّه عليه و سلم: من أعياه الرزق فليستدن على اللّه و رسوله. دخل عتبة بن هشام على خالد بن عبد اللّه القسري، فقال خالد معرّضا به: إن رجالا يدانون في أموالهم فإذا أفنيت أموالهم أدانوا في أعراضهم، فقال عتبة: أصلح اللّه الأمير إن رجالا تكون أموالهم أكثر من مروآتهم فلا يدانون، و رجالا مروآتهم أكثر من أموالهم، فإذا نفدت أموالهم أدانوا على سعة ما عند اللّه، فخجل خالد و قال: إنك منهم فيما علمت. و قيل: تعرف مروءة الرجل بكثرة ديونه. و قيل: الدين من مواسم الأشراف.
قال المقنع الكندي:
يعاتبني في الدّين قومي و إنّما # ديوني في أشياء تكسبهم حمدا
و قال أبو شراعة:
و الدّين طوق مكارم لا تلتقي # طرفاه في عنق البخيل الحازم [1]
و ذلك من قول عمر لزنباع، حين قال له: ما أقدمك المدينة؟قال: دين عليّ.
فقال: الدّين ميسم الكرام. و سأل عمرو بن عبيد عن رجل، فقالوا: إنه استتر لدين حصل عليه. فقال: طالما وفد به الكرام.
مدح من أدنت عليه.
و قال سعدان:
و لو كنت مولى قيس عيلان لم تجد # على الإنسان من الناس درهما
و لكنّني مولى قضاعة كلّها # فلست أبالي أن أدين و تغرما [2]
و هذا أجمع شعر جمع فيه بين مديح و هجاء. و قال ابن الرومي:
عليّ دين نبيل أنت قاضيه # يا من يحملني دينا رجائيه
من قضى دينا بدين
قال شاعر:
إذا ما قضيت الدّين بالدّين لم يكن # قضاء و لكن كان غرما على غرم
و قال آخر:
أخذت الدين أدفع عن تلادي # و كان الدين أدفع للتلاد [3]
و قيل لمحمد بن واسع: فلان قد قضى دينه مما كسبه، فقال: ما كان أكثر دينا قط منه الساعة.