اسم الکتاب : محاضرات الأدباء و محاورات الشعراء و البلغاء المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 220
إنّي كنت أتحرّج أن أطأ نملة و أن الحجّاج يكتب إلي في قتل فئام [1] من الناس فما أحفل [2]
بذلك.
و قال له الزهري يوما: بلغني أنك شربت الطلاء فقال: أي و اللّه و الدماء. و قال: عجبا للسلطان كيف يحسن، و إذا أساء وجد من يزكيه و يمدحه؟و في كتاب الهند: السلطان ذو غدوات و بدوات و نزوات، أي أنه سريع الانصراف كثير البذاء [3] هجوم على الأمور.
تكدّر عيشه
قيل: لا أحد أمرّ عيشا و أكدّ تعبا و أطول فكرة، من الملك العارف بالمعاد المتيقن بالثواب و العقاب، قال الشاعر:
يا ربّ أفئدة بنار همومها # تكوى فتشقى في جسوم ناعمه
و قيل: لا تنظروا إلى خفض عيش السلطان و لين لباسه، و انظروا إلى سرعة ظعنه و مكنون حزنه و سوء منقلبه.
من أظهر الندامة عند الموت من الكبار لما ثقل
رأى عبد الملك غسالا فقال: وددت أني كنت غسالا لا أعيش إلا بما كسبت يوما فيوما. فذكر لأبي حازم، فقال: الحمد للّه الذي جعلهم يتمنون عند الموت ما نحن فيه.
و لا نتمنى عنده ما هم فيه. و كان يقول: بعنا الدنيا و الآخرة بغفوة.
ممتنع من الولاية
في الخبر، نودي لقمان أني أجعلك خليفة في الأرض. فقال: إن أجبرني ربّي فسمعا و طاعة، و إن خيّرني اخترت العافية. فولاّه الحكمة، و صرفت الخلافة إلى داود عليه السلام. فكان إذا رآه داود، قال: وقيت الفتنة يا لقمان.
و قيل لبعضهم: ما يمنعك من الإمارة؟قال حلاوة رضاعها و مرارة فطامها. و بعث هشام إلى إبراهيم بن جبلة فقال: أنا قد عرفناك صغيرا، و خبرناك كبيرا، و رضينا سيرتك.
و قد رأيت أني أشركك في عملي و قد ولّيتك خراج مصر. فقال: أما الذي عليه رأيك، فاللّه يجزيك، و أما أنا فما لي بالخراج بصر، فضحك و قال: لتلينّ طائعا أو كارها فتركه حتى سكنت سورة غضبه، ثم قال: إن اللّه تعالى يقول: إِنََّا عَرَضْنَا اَلْأَمََانَةَ عَلَى اَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اَلْجِبََالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهََا وَ أَشْفَقْنَ مِنْهََا[4] فما غضب حيث أبين و لا أكرههن إذ كرهن فأنت حقيق [5] أن لا تغضب و لا تكره فغضب و تركه.