responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : رساله الصاهل والشاجح المؤلف : أبو العلاء المعري    الجزء : 1  صفحة : 113
وللأخ الأصغر من الأخوين أولاد إناث. فمثلهن مثل الضروب الثلاثة الأخيرة من البسيط: فيهن انكسار وضعف وركاكة. وهذه الأوزان الثلاثة لا يستعملها المحدثون إلا أن يخبنوا الثالث منها في العروض والضرب، فيستعملوه عن ذلك. وإنما توجد شاذة في أشعار الليل ومن بعدهم من القالة.
وإذا قدم عهد الشاعر كان ديوانه مظنة لمثل هذه الأوزان النادرة، وما أفلح وزن منها قط. وربما ندر بيت بعد بيت، ولا يجيء حسناً في السمع إلا أن يلحقه بعض التغيير عما هو في الأصل. فمن ذلك قول " عبيد ":
تَصبو وأَنَّى لكَ التصَابي ... أَنَّى وقد راعك المَشِيبُ
وفيها.
مَنْ يسأَلِ الناسَ يَحرِموه ... وسائلُ اللهِ لا يَخيبُ
فهذان البيتان إنما حسنا في الوزن لأجل شيء سقط منهما فقبلتهما الغريزة الخالصة. ألا ترى إلى قوله:
والمرءُ ما عاش في تكذيبِ ... طولُ الحياةِ له تعذيبُ
كيف هو مخالف لهذين البيتين؟ فقد يجوز أن تحسن عقول الروم لها إذا فقد هذان الأخوان، أن تملك بعض بنات الأصغر، فيكون مثلها مثل ما استقام من هذا الوزن في السمع، وهي مع ذلك ضعيفة ركيكة. والروم ربما ملكت النساء وبعض الناس يقول: " الزباء الرومية " - يعني صاحبة " جذيمة " - ينسبها إلى الروم. وتمليك امرأة صحيحة النسب في بيت الملك، أحسن من تمليك رجل لم يثبت نسبه.
وإذا شبهنا الطاغية بالضرب الأول من البسيط، وظهر من الدروب ناقضاً للسلم، ف " عزيز الدولة " - أعز الله نصره - يلحق به الطي أو الخبل. فإنه إذا طوى تغيرت هيئته وذهب أيده. والطي الذي وضعه " الخليل " هو ذهاب الرابع من السباعي. ونحن نعني به المصدر من قولك: طواه الله، أي أهلكه. وقد طوى " زهير " الضرب الأول من البسيط في موضعين. في أول النصف الأول، وفي أول النصف الثاني. وذلك قوله:
يَطعَنُهمْ ما ارتموَا حتى إِذا طُعِنُوا ... ضارَبَ حتى إِذا ما ضارَبوا اعتنَقا
و" السيد عزيز الدولة " - أعز الله نصره - لا يرضى له بالطي في موضعين، بل يطويه في أربعة مواضع ليكون التغيير له أشد، وحاله عند من عرفها أنكر. ألا ترآ إلى قول " الباهلي ":
إِني أَتتْني لسانٌ لا أُسَرُّ بها ... من عَلْوَ لا عَجَبٌ فيها ولا سَخَرُ
لو دخل معه قول القائل:
ارتحلوا غُدوَةً فانطلقوا بُكَراً ... في زُمَرٍ منهم تتبعُها زُمَرُ
لكان بعيداً عن شكله غير ملائم له في وزنه؟ وهذا البيت الثاني قد لحقه الطي في أربعة أماكن.
والخبل الذي وضعه " الخليل " هو سقوط الثاني والسابع من السباعي كما قال " النابغة ":
فَحسَبُوه فأَلْفَوه كما حَسَبتْ
وقد مضى ذكره.
ونحن نعني بالخبل فساد الأعضاء وتغير العقل من الهلع، كما قال " متمم ":
وكلُّ فتًى في الناسِ بعدَ ابنِ أُمِّه ... كذَاهبَة إِحدى يَدَيْه من الخبْلِ
ويقال: أصاب بنو فلان بني فلان بخبل؛ أي بقطع أيد وأرجل.
وإذا قالوا: فلان مخبول؛ فإنما يريدون اضطراب العقل وتغيره.
ولم يكن " السيد عزيز الدولة " - أعز الله نصره - يقتنع بخبله في موضع واحد، بل يجمع له الخبل في أربعة مواطن حتى ينكره أدنى الأحباء وأعز القرابين، فيكون مثله مثل هذا البيت:
وزعَموا أَنهم لَقيَهم رجلٌ ... فأَخذوا مالَهُ وضربوا عُنُقَه
ألا ترى أن حاله تغيرت حتى أنكرته الأذن ونفر منه الحس؟ فلو أقسم مقسم أنه لا يناسب قول " زهير ":
بانَ الخَليطُ ولم يَئودُوا لِمنْ بانُوا
ولا قوله:
إِن الخَليطَ أَجَدَّ البَيْنَ فانفرقا
لعذر في ذلك.
وإن لم يشبه بالبسيط الأول وجعلناه من الطويل الذي هو أشرف وأجل، فإن " السيد عزيز الدولة " - أعز الله نصره - يلقاه بالثرم.
وهو فيما وضعه " الخليل " مثل قول الشاعر:
هاجَها رَبْعٌ دارِسُ الرسْمِ باللوَى ... لأَسماءَ عَفَّى آيَهُ المُورُ والقَطْرُ
ونحن نعني بالثرم قولنا: ثرم الرجل، إذا سقطت مقاديم أسنانه.
وثرمه غيره ثرماً. ونضيف له إلى ذلك، الكف. وهو في رأي " الخليل " سقوط السابع من الجزء السباعي ففي هذا الوزن. كما ينشد بعض الناس:
سآخُذُ مِنكُمْ آلَ حَزْنٍ بِحَوْشبٍ ... وإِن كان مولايَ وكنتم بَنِي أَبِي
اسم الکتاب : رساله الصاهل والشاجح المؤلف : أبو العلاء المعري    الجزء : 1  صفحة : 113
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست