responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : حياة الحيوان الكبري المؤلف : الدميري    الجزء : 1  صفحة : 303

فخار و هو الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و القيام بهما، و حوله حصن من زمرذ، و هو الصدق و الاخلاص له تعالى، و حوله حصن من لؤلؤ رطب، و هو أدب النفس. فالمؤمن من داخل هذه الحصون، و ابليس من ورائها ينبح كما ينبح الكلب، و المؤمن لا يبالي به لأنه قد تحصن بهذه الحصون. فينبغي للمؤمن أن لا يترك أدب النفس في جميع أحواله و يتهاون به في كل ما يأتي، فإن من ترك أدب النفس و تهاون به، فإنه يأتيه الخذلان لتركه حسن الأدب مع اللّه تعالى، و لا يزال ابليس يعالجه، و يطمع فيه و يأتيه حتى يأخذ منه جميع الحصون، و يرده إلى الكفر نعوذ باللّه من ذلك. انتهى و ما ذكره من الفريضتين في الآية قد يشكل، فيقال: ليس فيها إلا فريضة واحدة، و هي قوله تعالى: فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا [1] إذ الأمر يقتضي الوجوب عند عدم قرينة تدل على خلافه.

و قد سألت شيخنا الإمام اليافعي رحمه اللّه عن الفريضة الثانية، أين هي من الآية؟فأجاب قدّس اللّه روحه، بأن فيها فريضة علمية و فريضة عملية، فالأولى العلم بكونه عدوّا و الثانية العمل في اتخاذ العداوة له انتهى و أما ما تقدم من ذكر الحصون فهو في نهاية الحسن و التحقيق، لكن قد يستولي الشيطان على بعض الحصون المذكورة دون بعض فيرد العبد إلى الفسق دون الكفر، فيستحق النار من غير تخليد، و قد لا يرده إلى الفسق، و لكن يردّه إلى ضعف الايمان، فلا يستحق النار و لكن يستحق النزول عن رتبة أهل الايمان الكامل، و كل هذا التفاوت بسبب تفاوت الحصون المذكورة، إذ ليس أخذ حصن المعرفة و الإيمان كأخذ بقية الحصون المذكورة، و بقية الحصون تتفاوت أيضا، فليس أخذ حصن الصدق و الإخلاص، كأخذ حصن الأمر و النهي و كذلك سائر الحصون، و الكلام في ذلك يطول و لكن مهما بقي حصن الايمان و حصن التوكل كاملين للعبد لم يقدر عليه الشيطان، لقوله تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطََانٌ عَلَى اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى‌ََ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [2] و هؤلاء المتصفون بالعبودية الكاملة لقوله تعالى: إِنَّ عِبََادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطََانٌ* [3] و هم المؤمنون حقا لقوله تعالى: إِنَّمَا اَلْمُؤْمِنُونَ اَلَّذِينَ إِذََا ذُكِرَ اَللََّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ إِذََا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيََاتُهُ زََادَتْهُمْ إِيمََاناً وَ عَلى‌ََ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [4] ثم قال في آخر وصفهم: أُولََئِكَ هُمُ اَلْمُؤْمِنُونَ حَقًّا* [5] و قد يكون أخذ حصن واحد مؤدّيا إلى الكفر، و موجبا للتخليد في النار، كحصن الإيمان باللّه. و نعوذ باللّه من ذلك، و لكن لا يقدر على أخذ حصن الايمان، حتى يأخذ الحصون التي حوله نسأل اللّه الكريم الهدى و السلامة من الزيغ و الردى. و اعلم أن أوّل الواجبات المعرفة، و قال الاستاذ: النظر و قال ابن فورك و إمام الحرمين: القصد إلى النظر و قد بسطنا الكلام على ذلك، في كتابنا الجوهر الفريد في علم التوحيد، و ما قاله في ذلك علماء الشريعة و مشايخ الصوفية رحمهم اللّه تعالى. فليراجع ذلك في الجزء السابع من الكتاب المذكور، و باللّه التوفيق. و اختلفوا هل بعث اللّه تعالى من الجن إليهم رسلا قبل بعثه نبينا محمد صلى اللّه عليه و سلم؟فقال الضحاك: كان منهم رسل لظاهر قوله تعالى: يََا مَعْشَرَ اَلْجِنِّ وَ اَلْإِنْسِ أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ [6] و قال المحققون: لم يرسل إليهم منهم رسول و لم يكن ذلك في الجن قط و إنما الرسل من الإنس خاصة، و هذا هو الصحيح


[1] سورة فاطر: الآية 6.

[2] سورة النحل: الآية 99.

[3] سورة الإسراء: الآية 65.

[4] سورة الأنفال: الآية 2.

[5] سورة الأنفال: الآية 4.

[6] سورة الأنعام: الآية 30.

اسم الکتاب : حياة الحيوان الكبري المؤلف : الدميري    الجزء : 1  صفحة : 303
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست