responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : حياة الحيوان الكبري المؤلف : الدميري    الجزء : 1  صفحة : 175

فأخبرته بما جرى، فأمر بإحضاره على حالته التي هو عليها، فأحضر فقال له المأمون، أعد السؤال الذي سألت عنه أبا الهذيل؟فاعاده، و كان في المجلس جماعة من العلماء الأفاضل فما منهم من أجاب، فقال له المأمون: ما الجواب؟فقال: سبحان اللّه أكون سائلا و مجيبا في حالة واحدة؟فقال المأمون: و ما عليك أن تفيدنا؟فقال: نعم يا أمير المؤمنين، اعلم أن اللّه عز و جل حكم في سالف أزله، و قضى و قدر في سابق علمه، و أطلع نبيه صلى اللّه عليه و سلم من ذلك على حكمه، فلم يكن له أن يتعداه و لا أن يتخطاه، فترك الأمر على ما قدره اللّه تعالى و قضاه إذ لا راد لأمره، و لا معقب لحكمه، فاستحسن المأمون ذلك، و عرض له شغل فقام داخلا إلى داره فقال له المجنون: يا ابن اللخناء أخذت منفوعنا و فررت منا!فعاد المأمون و قال له: ما تشتهي؟فقال: ألف دينار. و قال: و ما تصنع بها؟قال: آكل بها كسبا و تمرا، فأمر له بها و حمله إلى أهله و هو على حاله، و توفي أبو الهذيل العلاف سنة سبع و عشرين و مائتين و ذكروا أن السّنة في الرأس، و النعاس في العين، و النوم في القلب، و هو غشية ثقيلة تقع على القلب، تمنعه المعرفة بالأشياء. و قد نفى اللّه ذلك عن نفسه، بقوله‌ [1] تعالى: لاََ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لاََ نَوْمٌ لأنه آفة، و هو سبحانه و تعالى منزه عن الآفات. و لأنه تغير و لا يجوز عليه تبارك و تعالى.

و ذكر [2] الإمام أبو الفرج بن الجوزي في كتاب الأذكياء، عن خالد بن صفوان التيمي، أنه دخل على أبي العباس السفاح، و ليس عنده أحد فقال: يا أمير المؤمنين إني و اللّه ما زلت منذ قلدك اللّه الخلافة، أطلب أن أصير إلى مثل هذا الموقف في الخلوة، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بإمساك الباب، حتى أفرغ فليفعل فأمر الحاجب بذلك، فقال: يا أمير المؤمنين إني فكرت في أمرك، و أجلت الفكر فيك، فلم أر أحدا له قدرة و اتساع على الاستمتاع بالنساء مثلك، و لا أضيق فيهن عيشا منك، إنك ملكت نفسك امرأة من نساء العالمين، فاقتصرت عليها، فإن مرضت مرضت، و إن غابت غبت، و إن عركت عركت، و حرمت نفسك يا أمير المؤمنين التلذذ باستطراق الجواري، و معرفة اختلاف أحوالهن، و التلذذ بما يشتهى منهنّ، فإن منهنّ الطويلة التي تشتهى لجسمها، و البيضاء التي تحب لرؤيتها، و السمراء اللعساء، و الصفراء الذهبية، و مولدات المدينة، و الطائف و اليمامة، ذوات الألسن العذبة و الجواب الحاضر، و بنات سائر الملوك، و ما يشتهى من نضارتهنّ و نظافتهنّ. و تخلل خالد بلسانه فأطنب في صفات ضروب الجواري و شوقه إليهن، فلما فرغ من كلامه قال له السفاح: ويحك ملأت مسامعي بما شغل خاطري، و اللّه ما سلك مسامعي كلام أحسن من هذا، فأعد علي كلامك فقد وقع مني موقعا فأعاد إليه خالد كلامه بأحسن مما ابتدأه، ثم قال له انصرف فانصرف.

و بقي أبو العباس مفكرا فدخلت عليه أم سلمة زوجته، و كان قد حلف لها أن لا يتخذ عليها زوجة و لا سرية، و وفى لها بذلك، فلما رأته على تلك الحالة قالت له: إني لأنكرك يا أمير


[1] سورة البقرة: الآية 255.

[2] كتاب الأذكياء 116.

اسم الکتاب : حياة الحيوان الكبري المؤلف : الدميري    الجزء : 1  صفحة : 175
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست