اسم الکتاب : المحاسن و الأضداد المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 29
في إخراج الصكاك من أحضر الأموال متناولا» ، قال: «إذن، لا تجدي معرفتي بما يجب لأمير المؤمنين الهناء به بما يديم له منهم حسن الثناء، و يستمد بدعائهم طول البقاء» . و قال الفضل بن سهل للمأمون: «يا أمير المؤمنين أجعل نعمتك صائنة لوجوه خدمك عن إراقة مائها في غضاضة السؤال» ، فقال: «و اللّه لا كان ذلك إلاّ كذلك» .
قال و دخل العتابي على المأمون. فقال: «خبّرت بوفاتك فغمّتني، ثم جاءتني و وفادتك فسرّتني» ، فقال: «يا أمير المؤمنين!كيف أمدحك، أم بما ذا أصفك، و لا دين إلاّ بك، و لا دنيا إلاّ معك؟» ، قال: «سلني ما بدا لك؟» قال: «يداك بالعطية أطلق من لساني بالمسألة» .
قال: و قدم السعدي أبو و جزة [1] على المهلب بن أبي صفرة، فقال:
«أصلح اللّه الأمير. إني قد قطعت إليك الدهناء، و ضربت إليك آباط الإبل من يثرب» . قال: «فهل أتيتنا بوسيلة أو عشرة أو قرابة؟» ، قال: «لا، و لكني رأيتك لحاجتي أهلا، فإن قمت بها، فأهل ذلك، و إن يحل دونها حائل، لم أذمم يومك، و لم أيأس من غدك» . فقال المهلب: «يعطى ما في بيت المال» . فوجد مائة ألف درهم، فدفعت إليه، فأخذها و قال:
«يا من على الجود صاغ اللّه راحته # فليس يحسن غير البذل و الجود
عمّت عطاياك من بالشّرق قاطبة # فأنت و الجود منحوتان من عود
و قد يجب على العاقل الراغب في الأدب أن يحفظ هذه المخاطبات، و يد من قراءتها، و قد قال الأصمعي:
أما لو أعي كلّ ما أسمع # و أحفظ من ذاك ما أجمع
و لم استفد غير ما قد جمعت # لقيل: أنا العالم المقنع
و لكن نفسي إلى كل شيء # من العلم تسمعه، تنزع،
[1] أبو و جزة السعدي هو الوليد بن عبد السلمي السعدي، سكن المدينة و انقطع إلى آل الزبير و هو شاعر و محدث من التابعين، توفي سنة 130 هـ.
اسم الکتاب : المحاسن و الأضداد المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 29