اسم الکتاب : المحاسن و الأضداد المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 28
للدراهم مني» .
قال: و دخل المأمون، ذات يوم الديوان، فنظر إلى غلام جميل، على أذنه قلم، فقال: «من أنت؟» قال: «أنا الناشئ في دولتك، المتقلب في نعمتك، المؤمل لخدمتك، الحسن ابن رجاء» ، فقال المأمون: «بالاحسان في البديهة تتفاضل العقول، يرفع عن مرتبة الديوان إلى مراتب الخاصة، و يعطى مائة ألف درهم تقوية له» .
قال: و وصف يحيى بن خالد [1] الفضل بن سهل، و هو غلام على المجوسية للرشيد، و ذكر أدبه، و حسن معرفته، فعمل على ضمه إلى المأمون، فقال ليحيى يوما: «ادخل إلى هذا الغلام المجوسي، حتى انظر إليه فأوصله» فلما مثل بين يديه و و وقف، تحير، فأراد الكلام فارتج عليه، فأدركته كبوة، فنظر الرشيد إلى يحيى نظرة منكرة لما كان تقدم من تقريظه إياه، فانبعث الفضل بن سهل فقال: يا أمير المؤمنين إن من أبين الدلائل على فراهة [2] الملوك شدة إفراط هيبته لسيده» ، فقال له الرشيد: «أحسنت و اللّه لئن كان سكوتك لتقول هذا أنه لحسن، و لئن كان شيئا ادركك عند انقطاعك، أنه لأحسن و أحسن» ثم جعل لا يسأله عن شيء إلاّ رآه فيه مقدما، فضمه إلى المأمون.
قال: و قال الفضل بن سهل للمأمون، و قد سأله حاجة لبعض أهل بيوتات دهاقين [3] سمرقند كان وعده تعجيل انفاذها فتأخر ذلك: «هب لوعدك مذكرا من نفسك و هنيء سائلك حلاوة نعمتك، و اجعل ميلك إلى ذلك في الكرم حثا على اصطفاء شكر الطالبين، تشهد لك القلوب بحقائق الكرم، و الألسن بنهاية الجود» ، فقال: «قد جعلت إليك إجابة سؤالي عني بما ترى فيهم، و آخذك في القصير فيما يلزم لهم من غير استثمار أو معاودة
[1] يحيى بن خالد البرمكي مربي هارون الرشيد ثم وزيره إلى أن نكب البرامكة فغضب عليه و حسبه حتى مات سنة 190 هـ.