responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحاسن و الأضداد المؤلف : الجاحظ    الجزء : 1  صفحة : 286

فصرنا إليها، و استأذنا، فلما مثلنا بين يديها، أنكرتني و قالت: «من الشيخ» ؟قلت: «الخليع، شاعر العراق؛ و معي هدية عبدك ضمرة» .

فصاحت في الدار: «تملك» !فإذا جارية كأنها الظبية المنفلتة من الشبكة، قالت لها: «خذي هذه الهدايا، و فرّقيها على جواري الدار» ، ثم قالت:

«أ يطمع الخنوص أن يجتمع معي، بعد قبولي الهدية، في ثلاثين سنة» ؟ قلت لها: «العفو عند المقدرة يعدل عتق رقبة» ، قالت: «ففي خمس عشرة سنة» ؟قلت لها: «أنقصيها، أولى بك» . قالت: «ففي ثلاث سنين» ، قلت لها: «حطة أخرى، و قد اجتمعنا» ، قالت: «لا، و اللّه، لا آكل و لا أشرب حتى آتيه» .

و أمرت أن يسرج؛ و بادرت إلى باب ضمرة مبشرا، فما وصلت أو سمعت صلاصل اللجم، فإذا هي قد سبقتني في جواريها و خدمها.

فدخلت، فإذا هما يتعانقان و يتعاتبان، فقلت: يا سيدتي، ما أنتما إلى شي‌ء أحوج منكما إلى خلوة. قالا: هو ذاك!فانصرفت عنهما، ثم بكرت عليهما، فإذا هي في المرقد الأول جالسة، عليها جبّة و شي‌ء مطير، و هي تعصر الماء عن ذوائبها، و تصلح قرونها، فاستحيتني و قالت: لا تفكرنّ في ريبة، فو اللّه ما صلّينا البارحة، حتى بعثت إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي، فزوجت نفسي سيدي، و لكن صر إليه في المرقد الثاني.

فصعدت إليه، فلما نظر إليّ، وثب إليّ، و قبّل بين عينيّ و قال: يا شيخ، قد جمع اللّه بيني و بين سيدتي بك. ثم دعا بدواة و قرطاس، و كتب إلى ابن نوح الصير في ثلاثة آلاف دينار؛ فرجعت إليها، فقالت: بما ذا برّك سيدي؟فأقرأتها الرقعة، فقالت: نعجّل إليك مثلها، فدعت بمال و طيار و وزنت ثلاثة آلاف دينار، و دعت بعشرة أثواب من ثياب مصر، و قالت: هذه وظيفتك علينا كل عام، فخرجت من عندي، و أخذت مرفوعي من آل سليمان، و انصرفت إلى العراق.

و كان الرشيد متكئا، فاستوى جالسا و قال: أوه يا حسين، لو لا أن ضمرة سبقني إليها، لكان لي و لها شأن من الشأن.

اسم الکتاب : المحاسن و الأضداد المؤلف : الجاحظ    الجزء : 1  صفحة : 286
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست