اسم الکتاب : المحاسن و الأضداد المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 285
ما تكحل العين بالرّقاد و لا # ينام جنبي في اللّيل مضطجعا
لا عيش لي مذ نأت و لا وجدت # عيناي في الأرض قطّ متسعا
قلت لها: «أ فلا تحدثينني كيف سليت عنه، و ابتلى» ؟قالت:
«كيف لا أحدثك» ؟افتصدت «تفاحة» ، جارية محمد بن سليمان، فدعينا إلى خورنق لمحمد بن سليمان، فلما طعمنا، دعت لنا بالشراب، فبينا نحن كذلك، إذا بحراقة سلطانية قد وردت، و فيها عدة من ابناء الملوك، و فيهم هذا العيار، و لا علم لي بمكانه، و كنت حملت العود و غنّيت:
أبلى فؤادي و شفّني الأرق # و الدّمع من مقلتيّ يستبق
من حبّ ظبي أغنّ ذي دعج # و قلبه للشفاء منطبق
فلما وجبت العتمة انصرفنا، و أبطأت الجارية، و أتاني هؤلاء القوم من عنده يسلون سخيمتي، و يستعطفونني عليه.
ثم انصرفت عنها، يا أمير المؤمنين، و دخلت الحمام من ساعتي، فما كان إلاّ أن دخلت، حتى أتاني غلامي، فقال: «جماعة من جلة الناس قد طرقوا دارك يطلبونك» . فلبست ثيابي، و خرجت مسرعا، فإذا بضمرة قد كبس داري في عدة من الرؤساء، فقال: «و اللّه لا برحنا، حتى تنفق علينا الخمسمائة دينار التي أخذتها من الجارية، سيدتي» . قلت: «أي و اللّه، بالسمع و الطاعة» .
ثم جذبني إلى نفسه، فلم يزل يناظرني في أمرها حتى أقبل المساء، ثم انصرف إلى رحله. فلما كان من الغد، وردت له رقعة مع خادم، و كيس فيه ألف دينار، و استزارني، فقبلت ذلك، و صرت معه إليه. فلما نظر إليّ، تنحّى عن مقعده، و أقعدني، ثم قال: «هذا قد أعددته، للنيروز، لسيدتي هدية، و أنت أولى من تجشم مع الخادم إليها» . قلت: «السمع و الطاعة» . ثم صاح في الدار: «هاتوا الهدية» . فإذا مائة تخت من ثياب، و صندوق من ذهب مقفل عليه، فقال لي: «في التخت و الصندوق مبلغ ثلاثين ألف دينار، و أنت أولى من تفضل بالإيصال» .
اسم الکتاب : المحاسن و الأضداد المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 285