لصاحب الفلاحات
و كان صاحب الفلاحات يقول بأن النحل أطرب الحيوان كله إلى الغناء، و إن افراخها لتستنزل بمثل الزّجل و الصوت الحسن.
قال الراجز:
و الطّير قد يسوقه للموت # إصغاؤه إلى حنين الصّوت
و بعد، فهل خلق اللّه شيئا اوقع بالقلوب و أشدّ اختلاسا للعقول، من الصوت الحسن، لا سيما إذا كان من وجه حسن، كما قال الشاعر:
ربّ سماع حسن # سمعته من حسن
مقرّب من فرح # مبعّد من حزن
لا فارقاني أبدا # في صحة من بدني
و هل على الارض رعديد [1] مستطار الفؤاد، يتغنّى بقول جرير بن الخطفي:
قل للجبان إذا تأخّر سرجه # هل أنت من شرك المنية ناجي
إلا ثاب إليه روحه، و قوي قلبه؟أم على الأرض بخيل قد تقفّعت [2] أطرافه لؤما، ثم غنى بقول حاتم الطائي:
يرى البخيل سبيل المال واحدة # إنّ الجواد يرى في ماله سبلا
إلا انبسطت أنامله و رشحت أطرافه؟أم هل على الارض غريب نازح الدار بعيد المحل، يتغنى بشعر علي بن الجهم:
يا وحشتا للغريب في البلد النّا # زح ما ذا بنفسه صنعا
فارق أحبابه فما انتفعوا # بالعيش من بعده و لا انتفعا
يقول في نأيه و غربته # عدل من اللّه كلّ ما صنعا
إلا انقطعت كبده حنينا إلى وطنه، و تشوّقا إلى سكنه؟
[1] رعديد: الجبان يرتعد و يضطرب عند القتال جبنا
[2] تقفعت اطرافه: اجتمعت و تقبضت