اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه الجزء : 7 صفحة : 206
أبدان الاعراب؛ للّه درّ الحارث بن كلدة حيث زعم أن الدواء هو الأزم [1] ، و ان الداء كله هو من فضول الطعام؛ فكيف لا ترغب في شيء يجمع لك صحة البدن، و ذكاء الذهن، و صلاح الدين و الدنيا، و القرب من عيش الملائكة؟أي بنيّ، ما صار الضبّ أطول شيء عمرا إلا أنه يتبلّغ بالنسيم؛ و ما زعم الرسول أن الصوم و جاء [2]
إلا انه جعله حاجزا دون الشهوات: فافهم تأديب اللّه و تأديب الرسول؛ أي بني، قد بلغت تسعين عاما ما نغض لي سنّ، و لا انتشر لي عصب، و لا عرفت وكف انف، و لا سيلان عين، و لا سلس بول؛ و ما لذلك علة إلا التخفف من الزاد؛ فإن كنت تحب الحياة فهذه سبيل الحياة، و إن كنت تحب الموت فلا أبعد اللّه غيرك.
ابو الاسود الدؤلي
و من البخلاء: أبو الأسود الدؤلي: وقفت عليه امرأة و هو في فسطاط و بين يديه طبق تمر، فقالت: السلام عليك!قال ابو الاسود: كلمة مقبولة.
و وقف عليه اعرابي، و هو يأكل فقال الاعرابي: أدخل؟قال وراءك أوسع لك! قال: الرمضاء احرقت رجلي!قال: بل عليهما تبردان!قال أ تأذن لي ان آكل معك؟ قال: سيأتيك ما قدّر لك!قال: تاللّه ما رأيت رجلا الأم منك. قال: بلى قد رأيت إلا انك نسيت!ثم اقبل ابو الاسود يأكل، حتى[إذا]لم يبق في الطبق الا تميرات يسيرة نبذها له، فوقعت تمرة منها، فأخذها الاعرابي و مسحها بكسائه، فقال ابو الاسود. يا هذا، إن الذي تمسحها به أقذر من الذي تمسحها له. قال: كرهت ان ادعها للشيطان!قال: لا و اللّه، و لا لجبريل و ميكائيل ما كنت لتدعها.
الأصمعي قال: مرّ رجل بأبي الاسود الدؤلي و هو يقول: من يعشّي الجائع؟فقال ابو الاسود: عليّ به، فأتاه بعشاء كثير. و قال: كل حتى تشبع!فلما اكل ذهب ليخرج؛ قال: أين تريد؟قال: أريد اهلي. قال: لا ادعك تؤذي المسلمين الليلة