اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه الجزء : 3 صفحة : 362
طرقنا، و يخرزون خفافنا، و يحركون ثيابنا. فاستوى ابن عامر جالسا، و كان متكئا، فقال: ما كنت أظنك تعرف هذا الباب، لفضلك و زهادتك. فقال: ليس كل ما ظننت أني لا أعرفه، لا أعرفه.
و قالوا: إن خالد بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد لما وجّه أخاه عبد العزيز إلى قتال الأزارقة، هزموه و قتلوا صاحبه مقاتل بن مسمع، و سبوا امرأته أم حفص بنت المنذر ابن الجارود العبدي، فأقاموها في السوق حاسرة بادية المحاسن، و غالوا فيها و كانت من أكمل الناس كمالا و حسنا، فتزايدت فيها العرب و الموالي و كانت العرب تزيد فيها على العصبية، و الموالي تزيد فيها على الولاء، حتى بلّغتها العرب عشرين ألفا، ثم تزايدوا فيها حتى بلّغوها تسعين ألف، فأقبل رجل من الخوارج من عبد القيس من خلفها بالسيف فضرب عنقها، فأخذوه و رفعوه إلى قطري بن الفجاءة، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن هذا استهلك تسعين ألفا من بيت المال و قتل أمة من إماء المؤمنين.
فقال له: ما تقول؟قال: يا أمير المؤمنين، إني رأيت هؤلاء الإسماعيلية و الإسحاقية قد تنازعوا عليها حتى ارتفعت الأصوات و احمرت الحدق، فلم يبق إلا الخبط بالسيوف، فرأيت أن تسعين ألفا في جنب ما خشيت من الفتنة بين المسلمين هينة. فقال قطري:
خلّوا عنه، عين من عيون اللّه أصابتها. قالوا: فأقد منه. قال: لا أقيد من وزعه [1]
اللّه. ثم قدم هذا العبدي بعد ذلك البصرة، فإذا النعمان بن الجارود يستجديه بذلك السبب، فوصله و أحسن إليه.
قال: أبو عبيدة: مر عبد اللّه بن الأهتم بقوم من الموالي و هم يتذاكرون النحو، فقال: لئن أصلحتموه إنكم لأول من أفسده. قال أبو عبيدة: ليته سمع لحن صفوان و خاقان و مؤمل بن خاقان.
الأصمعي قال: قدم أبو مهدية الأعرابي من البادية فقال له رجل: أبا مهدية أ تتوضئون بالبادية؟قال: و اللّه يا ابن أخي لقد كنا نتوضأ فتكفينا التوضئة الواحدة
[1] وزعه: يريد أنه لا يقيد من الذين يكفون الناس عن الشر.
اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه الجزء : 3 صفحة : 362