و هل نحن إلا أنفس مستعارة # تمرّ بها الرّوحات و الغدوات
بكيت و أعطتك البكاء مصيبة # مضت و هي فرد ما لها أخوات
كأنك فيها لم تكن تعرف العزا # و لم تتعمد غيرك النّكبات
سقى الضاحك الوسميّ أعظم حفرة # طواها الردي في اللّحد و هي رفات
أرى بهجة الدنيا رجيع دوائر # لهنّ اجتماع مرة و شتات [1]
طوى أيدي المعروف مصرع مالك # فهنّ عن الآمال منقبضات
و قال أيضا:
أما القبور فإنهن أوانس # بجوار قبرك و الديار قبور
عمّت فواضله و عمّ مصابه # فالناس فيه كلهم مأجور
ردّت صنائعه إليه حياته # فكأنه من نشرها منشور
و قال أشجع بن عمرو السّلمي يرثي منصور بن زياد:
يا حفرة الملك المؤمّل رفده # ما في ثراك من النّدى و الخير؟
لا زلت في ظلين ظلّ سحابة # و طفاء دانية و ظلّ حبور [2]
و سقى الوليّ على العهاد عراص ما # و الاك من قبر و من مقور [3]
يا يوم منصور أبحت حمى النّدى # و فجعته بوليّه المذكور
يا يومه ما ذا صنعت بمرمل # يرجو الغنى و مكبّل مأسور
يا يومه لو كنت جئت بنصحه # فجمعت بين الحيّ و المقبور!
للّه أوصال تقسّمها البلى # في اللّحد بين صفائح و صخور
عجبا لخمسة أذرع في خمسة # غطّت على جبل أشمّ كبير
من كان يملأ عرض كلّ تنوفة # واراه جولا ملحد محفور [4]
ذلّت بمصرعه المكارم و النّدى # و ذباب كلّ مهنّد مأثور
أفلت نجوم بني زياد بعد ما # طلعت بنور أهلّة و بدور
[1] الشتات: الافتراق.
[2] و طفاء: المسترخية الجوانب.
[3] العهاد: المطر الأول.
[4] الجول: ناحية القبر.