اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه الجزء : 3 صفحة : 124
فلا تكتحل عيناك فيها بعبرة # على ذاهب منها فإنك ذاهب
و قال أبو العتاهية:
أصبحت الدنيا لنا فتنة # و الحمد للّه على ذلكا
قد أجمع الناس على ذمّها # ما إن ترى منهم لها تاركا
و قال إبراهيم بن أدهم:
نرقّع دنيانا بتمزيق ديننا # فلا ديننا يبقى و لا ما نرقع
و ما سمعت في صفة الدنيا و السبب الذي يحبها الناس لأجله بأبلغ من قول القائل.
نراع بذكر الموت في حين ذكره # و تعترض الدّنيا فنلهو و نلعب
و نحن بنو الدّنيا خلقنا لغيرها # و ما كنت منه فهو شيء محبّب
فذكر أن الناس بنو الدنيا و ما كان الإنسان منه فهو محبب إليه.
و اعلم أن الإنسان لا يحب شيئا إلا أن يجانسه في بعض طبائعه، و أن الدنيا جانست الإنسان في طبائعه كلها فأحبها بكل أطرافه.
ابن شبرمة و ولده:
و قال بعض ولد ابن شبرمة: كنت مع أبي جالسا قبل أن يلي القضاء فمرّ به طارق ابن أبي زياد في موكب نبيل، فلما رآه أبي تنفّس الصّعداء، و قال:
أراها و إن كانت تحبّ كأنها # سحابة صيف عن قليل تقشّع [1]
ثم قال: اللهم لي ديني و لهم دنياهم. فلما ابتلى بالقضاء، قلت: يا أبت، أتذكر يوم طارق؟فقال: يا بني إنهم يجدون خلفا من أبيك و إن أباك لا يجد خلفا منهم إن أباك خطب في أهوائهم و أكل من حلوائهم.