اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه الجزء : 3 صفحة : 101
قليل يا بني قد صرت كأحدهم، فبع دنياك بآخرتك، و لا تبع آخرتك بدنياك. ودع القول فيما لا تعرف، و الأمر فيما لا تكلّف، و أمر بالمعروف بيدك و لسانك، و انه عن المنكر بيدك و لسانك، و باين [1] من فعله، و خض الغمرات إلى الحق، و لا يأخذك في اللّه لومة لائم، و احفظ وصيّتي و لا تذهب عنك صفحا، فلا خير في علم لا ينفع.
و اعلم أنه لا غنى لك عن حسن الارتياد [2] مع بلاغك من الزاد، فإن أصبت من أهل الفاقة من يحمل عنك زادك فيوافيك به في معادك فاغتنمه، فإن أمامك عقبة كئودا [3] لا يجاوزها إلا أخف الناس حملا فأجمل في الطلب، و أحسن المكتسب.
فرب طلب قد جرّ إلى حرب [4] . و إنما المحروب من حرب دينه، و المسلوب من سلب يقينه. و اعلم أنه لا غني يعدل الجنة؛ و لا فقر يعدل النار. و السّلام عليك و رحمة اللّه و بركاته.
منه إلى ولده ابن الحنفية:
و كتب إلى ابنه محمد بن الحنفية: أن تفقّه في الدين، و عوّد نفسك الصبر على المكروه، و كل نفسك في أمورك كلّها إلى اللّه عز و جل، فإنك تكلها إلى كهف حريز، و مانع عزيز، و أخلص المسألة لربك فإن بيده العطاء و الحرمان و أكثر الاستخارة له، و اعلم أنّ من كان مطيته الليل و النهار فإنه يسار به و إن كان لا يسير، فإن اللّه تعالى قد أبى إلا خراب الدنيا و عمارة الآخرة، فإن قدرت أن تزهد فيها زهدك كله فافعل ذلك، و إن كنت غير قابل نصيحتي إياك فاعلم علما يقينا أنك لن تبلغ أملك، و لا تعدو أجلك، فإنك في سبيل من كان قبلك، فأكرم نفسك عن كل دنيّة و إن ساقتك إلى الرغائب، فإنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا، و إياك أن توجف [5] بك مطايا الطمع و تقول: متى ما أخّرت نزعت، فإن هذا أهلك من هلك قبلك، و أمسك عليك لسانك، فإن تلافيك ما فرط من صمتك، أيسر عليك