و سمع أعرابي أبا المكنون النحويّ في حلقته و هو يقول في دعاء الاستسقاء: اللهم ربّنا و إلهنا و مولانا، فصلّ على محمد نبينا، اللهم و من أراد بنا سوءا فأحط ذلك السوء به كإحاطة القلائد بأعناق الولائد، ثم أرسخه على هامته كرسوخ السّجّيل [2] على أصحاب الفيل؛ اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريثا مريعا مجلجلا مسحنفرا [3] هزجا، سحّا [4] سفوحا، طبقا غدقا مثعنجرا [5] نافعا لعامّتنا و غير ضار لخاصتنا. فقال الأعرابي: يا خليفة نوح، هذا الطوفان و ربّ الكعبة، دعني حتى آوي إلى جبل يعصمني من الماء.
و سمعه مرة أخرى يقول في يوم برد: إن هذا يوم بلّة عصبصب [6] ، بارد هلّوف [7] . فارتعد الأعرابي و قال: و اللّه هذا مما يزيدني بردا.
و خطب أبو بكر المنكور فأغرب في خطبته و تقعّر في كلامه؛ و عند أصل المنبر رجل من أهل الكوفة يقال له حنش؛ فقال لرجل إلى جنبه: إني لأبغض الخطيب يكون فصيحا بليغا متقعّرا. و سمعه أبو بكر المنكور الخطيب. فقال له: ما أحوجك يا حنش إلى مدحرج مفتول لين الجلاد لدن المهزّة عظيم الثمرة [8] ، تؤخذ به من مغرز العنق إلى عجب الذنب [9] ، فتعلى فتكثر له رقصاتك من غير جذل.