responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الرسالة الموضحة في ذكر سرقات المتنبي و ساقط شعره المؤلف : ابن المظفر الحاتمي    الجزء : 1  صفحة : 51
فهذا ما احتذاه وولده وسبطه وزاد فيه.، وأحسن العبارة عنه. من الباب قول الآخر:
رَأيتُ المالَ يَكسبِهُ رِجالُ ... مآفين إذا اختبُروا فُسُولُ
فلا ذو المالِ يكَسبُهُ بعقلٍ ... ولا بالمالِ تكُتَسَبُ العُقولُ
كَما تكُسَى سباغُ الأرضِ رِياً ... وتُصرفُ عن َ كَرائِمهِا السيولُ
فأخذ هذا المعنى أبو تمام وأختصره في بيت واحد فقال، وأحسن كل الإحسان:
لا تنُكِري عَطَلَ الكريمِ من الغنِى ... فالسيلُ حَربُ للمكانِ العالي
وقال عمر ين أبي ربيعة:
وإذا جِئتهُا لأشكوُ إليها ... بَعضَ ما شَفني وما قد عراني
ضَل عَنها لشدةِ الوَجدِ عقلي ... وتَعايا بذاتِ نفَسي لِساني
ونسيتُ الذي جمعَتُ من القَو ... لِ لدَيَها وغابَ عني بَيَاني
فقال أبو حفص الشطرنجي سالكاً هذا المذهب:
بُني الحُب على الجَورِ فلَو ... أنصَفَ العاشِقُ فيهِ لَسَمُجْ
ليس يسُتحسن في وصفِ الهوىَ ... عاشقُِ يُحسنُ تأليف الحُجَجْ
وقال أبو تمام موجزاً هذا المعنى:
لِمٌ تُنكرِينَ وقد هويتُ تبلدُي ... وبَراعَةُ المشُتاقِ أن يَتَبَلدَا
فتأمل ما بين الكلامين تجد تفاوت بعيداً. وسمع أبو تمام قول ابن الزبير عند قتل أخيه مصعب: " إنما التسلية والسلوة لحزماء الرجال، والهلع والجزع لربات الحجال " فنظم هذا فأحسن كل الإحسان في نسخه وتأليفه بقوله:
خُلِقنا رِجالاً للتجلُد والأسَى ... وتلِك الغَواني للُبكا والمآتِمِ
وسمع قول القائل " المحاب مقرونة بالمكاره " فقال، وبرز تبريز السابق المتمطر إذا تطلمه الفرسان في حلبة تعثرت الجياد في طلبه بها:
سَعَى فاستنَزَل الأمَلَ اقتِساراً ... ولوَلا السعُي لك تكُنِ المسَعى
وأنظر إلى قول أبان اللاحقي:
ولنْ تعرِفَ النفٌسُ النعيمَ وعزِهُ ... إذا جَهِلت حالَ المذَلةِ والضر
فأخذ هذا المعنى أبو تمام وأحسن صوغه وسبكه فقال:
والحادِثاتُ وإن اصابَكَ بُؤسُها ... فهو الذي أنباكَ كَيفَ نعَيمهُا
فحاول عبيد الله بن عبد الله بن طاهر أخذ هذا المعنى، فقصر عنه بقوله:
لا ينُسيِنكَ حالُ نشلتَ رِفٌعَتَها ... ما في عواقبِهِا واذكر تصرفَها
أن الفتى يجهَلُ النعما إذا اتصلت ... حتى يلُذعَ بالبلِى فيعَرِفَها
ومن إحسان أبي تمام في الأخذ قوله:
إذا ما أغارُوا فاحٌتووا مالَ معَشَرٍ ... أغارَتٌ عَلَيهم فاحتوَتهُ الصنائعُ
وهذه العبارة تطرب وتعجب، وتختدع وتخلب. وإنما احتذى في بيته هذا قول عروة بن الورد في بيتين:
كَريمُ رأى الإقتارَ عاراً فلم يزَل ... يَجُوبُ بلادَ اللهِ حتى تَموِلا
فلما استَفادَ المالَ عادَ ببَذّلِهِ ... لمَن جاءهُ يبَغي ندَاهُ مُؤملا
فتأمل اختصار أبي تمام لهذا المعنى وحسن عبارته عنه. فتعاطى ابن الرومي أخذه فلم يستطع استيفاءه إلا في أربعة أبيات، يقتضي بعضها بعضاً وهي:
وما في الأرض أجوَد من شجاعٍ ... وإن أعطى القليلَ من النوالِ
وذلكَ أنٌه يعُطيك ممِا ... تُفيء عليَهِ أطرافُ العَوالي
وحسبُكَ جودُ مَن أعطاكَ مالاً ... حواهُ بالطٌرادِ وبالنٌزالِ
شرَى دَمَهُ ليحَويَهُ فلَما ... حواهُ هوَى به حمدُ الرجالِ
وأخبرني الصولي قال: سمعت أبا مالك يقول: من استطاع أن يأخذ المعنى فيصنع به صنع أبي تمام، وإلا فلا يتعرض له. قال: فقلت مثل هذا؟ فقال: مثل قول أبي نؤاس:
بشرهُمُ قَبلَ النوال اللاحِقِ ... كالبرَقِ يبدو قبلَ جودٍ دافِقِ
والغَيثُ يخَفَى وقعُهُ للرامِقِ ... ما لم يجَدِهُ بدَليلِ البارِقِ
فنظر أبو تمام إلى هذا فقال:
يَستَنزِلُ الأمَلَ البَعيدَ ببِشرِهِ ... بُشرَى المخُيلةِ بالربيعِ المغُدقِ
وكذَا السحائبُ قلما تدعو إلى ... معَرُوفِها الروادَ ما لم تَبرُقِ
ثم اختصر المعنى في بيت واحد فقال:
إنما البِشرُ روَضَةُ فإذا ... أعقَبَ بذَلاً فَروضَةٌ وغدَيرُ
فاحتذى هذا المعنى البحتري فقال وأتى به في عدة مواضع قصر فيها إلى أن قال:
متُهلَلٌ طَلقٌ إذا وعَد الغِنى ... بالبِشرِ أتبَعَ بِشرهُ بالنائِلِ
اسم الکتاب : الرسالة الموضحة في ذكر سرقات المتنبي و ساقط شعره المؤلف : ابن المظفر الحاتمي    الجزء : 1  صفحة : 51
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست