responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البيان و التبيين المؤلف : الجاحظ    الجزء : 2  صفحة : 87

غضارتها و رفاهتها نعما، أرهقته من نوائبها نقما، و لم يمس أمرؤ منها في جناح أمن إلا أصبح منها على قوادم خوف، غرّارة غرور ما فيها، فانية فان من عليها، لا خير في شي‌ء من زادها إلا التقوى. من أقل منها استكثر مما يؤمنه، و من استكثر منها استكثر مما يوبقه و يطيل حزنه، و يبكي عينه، كم واثق بها قد فجعته، و ذي طمأنينة إليها قد صرعته، و ذي اختيال فيها قد خدعته. و كم من ذي أبهّة فيها قد صيرته حقيرا. و ذي نخوة قد ردته ذليلا، و كم من ذي تاج قد كبّته لليدين و الفم. سلطانها دول، و عيشها رنق، و عذابها أجاج، و حلوها صبر، و غذاؤها سمام، و أسبابها رمام، و قطافها سلع‌ [1] حيّها بعرض موت، و صحيحها بعرض سقم، و منيعها بعرض اهتضام.

مليكها مسلوب، و عزيزها مغلوب، و سليمها منكوب، و جامعها محروب‌ [2] .

مع أن وراء ذلك سكرات الموت، و هول المطّلع و الوقوف بين يدي الحكم العدل، لِيَجْزِيَ اَلَّذِينَ أَسََاؤُا بِمََا عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ اَلَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى .

أ لستم في مساكن من كان أطول منكم أعمارا، و أوضح آثارا، و أعدّ عديدا أكثف جنودا، و اعند عنودا. تعبدوا الدنيا أي تعبد، و آثروها أيّ إيثار، و ظعنوا عنها بالكره و الصّغار فهل بلغكم أن الدنيا سمحت لهم نفسا بفدية، أو أغنت عنهم فيما قد أهلكتهم بخطب، بل قد أرهقتهم بالفوادح، و ضعضعتهم بالنوائب، و عقرتهم بالمصائب. و قد رأيتم تنكرها لمن دان لها و آثرها، و اخلد إليها، حين ظعنوا عنها لفراق الأبد إلى آخر المسند. هل زودتهم إلا الشقاء، و أحلتهم إلا الضّنك، أو نوّرت لهم إلا الظلمة، أو أعقبتهم إلا الندامة. فهذه تؤثرون أم عليها تحرصون، أم إليها تطمئنون. يقول اللّه: مَنْ كََانَ يُرِيدُ اَلْحَيََاةَ اَلدُّنْيََا وَ زِينَتَهََا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمََالَهُمْ فِيهََا وَ هُمْ فِيهََا لاََ يُبْخَسُونَ.

`أُولََئِكَ اَلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ إِلاَّ اَلنََّارُ وَ حَبِطَ مََا صَنَعُوا فِيهََا وَ بََاطِلٌ مََا كََانُوا يَعْمَلُونَ . فبئست الدار لمن أقام فيها. فاعملوا و أنتم تعلمون إنكم تاركوها لا بد، فإنما هي كما وصفها اللّه باللعب و اللهو، و قد قال اللّه: تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ


[1] سلع: نبات سام.

[2] محروب: مسلوب. أ

اسم الکتاب : البيان و التبيين المؤلف : الجاحظ    الجزء : 2  صفحة : 87
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست