اسم الکتاب : البيان و التبيين المؤلف : الجاحظ الجزء : 2 صفحة : 42
قبرا دفناه فيه حيا. فكفوا عني أيديكم و ألسنتكم، أكف عنكم يدي و لساني. و لا تظهر على أحد منكم ريبة بخلاف ما عليه عامتكم إلا ضربت عنقه و قد كانت بيني و بين أقوام أحن فجعلت ذلك دبر أذني و تحت قدمي، فمن كان منكم محسنا فليزدد إحسانا، و من كان منكم مسيئا فلينزع عن إساءته. إني و اللّه لو علمت أن أحدكم قد قتله السلّ من بغضي لم أكشف له قناعا، و لم أهتك له سترا، حتى يبدي لي صفحته، فإذا فعل ذلك لم أناظره. فاستأنفوا أموركم، و أرعوا [1] على أنفسكم، فرب مسوء بقدومنا سنسرّه و مسرور بقدومنا سنسوؤه.
أيها الناس، أنّا أصبحنا لكم سادة، و عنكم ذادة، نسوسكم بسلطان اللّه الذي أعطانا، و نذود عنكم بفيء اللّه الذي خولنا. فلنا عليكم السمع و الطاعة فيما أخببنا، و لكم علينا العدل و الانصاف فيما ولينا. فاستوجبوا عدلنا و فيئنا بمناصحتكم لنا، و اعلموا إني مهما قصّرت عنه فلن أقصّر عن ثلاث: لست محتجبا عن طالب حاجة منكم و لو أتاني طارقا بليل، و لا حابسا عطاء و لا رزقا عن ابانه، و لا مجمرا لكم بعثا. فادعوا اللّه بالصلاح لأئمتكم، فإنهم ساستكم المؤدبون، و كهفكم الذي إليه تأوون، و متى يصلحوا تصلحوا. و لا تشربوا قلوبكم بغضهم فيشتد لذلك غيظكم، و يطول له حزنكم، و لا تدركوا به حاجتكم، مع أنه لو استجيب لكم فيه لكان شرا لكم. أسأل اللّه أن يعين كلا على كل. و إذا رأيتموني أنفذ فيكم الأمر فأنفذوه على إذلاله و أيم اللّه أن لي فيكم لصرعى كثيرة، فليحذر كل امرئ منكم أن يكون من صرعاي.
قال: فقام إليه عبد اللّه بن الأهتم فقال: أشهد أيها الأمير، لقد أوتيت الحكمة و فصل الخطاب. فقال له: كذبت، ذلك نبي اللّه داود صلّى اللّه عليه و سلّم.
فقام الأحنف بن قيس فقال: أيها الأمير، إنما المرء بجدّه، و الجواد بشدّه و قد بلغك جدك أيها الأمير ما ترى، و إنما الثناء بعد البلاء، و الحمد بعد العطاء، و أنا لن نثني حتى نبتلي. فقال زياد: صدقت.