responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البيان و التبيين المؤلف : الجاحظ    الجزء : 2  صفحة : 32

و الفي‌ء [1] لا تحمل إلا عن فضل منهم. و أوصيك بأهل البادية خيرا، فإنهم أصل العرب، و مادة الاسلام: أن تأخذ من حواشي‌ [2] أموال أغنيائهم، فترد على فقرائهم. و أوصيك بأهل الذمة خيرا: أن تقاتل من ورائهم و لا تكلفهم فوق طاقتهم، إذا أدوا ما عليهم للمؤمنين طوعا أو عن يد [3] و هم صاغرون.

و أوصيك بتقوى اللّه و شده الحذر منه، و مخافة مقته، أن يطلع منك على ريبة.

و أوصيك أن تخشى اللّه في الناس و لا تخشى الناس في اللّه. و أوصيك بالعدل في الرعية و التفرغ لحوائجهم و ثغورهم. و لا تؤثر غنيهم على فقيرهم، فإن ذلك- بإذن اللّه-سلامة لقلبك، و حط لوزرك، و خير في عاقبة أمرك، حتى تفضي من ذلك إلى من يعرف سريرتك، و يحول بينك و بين قلبك. و آمرك أن تشتد في أمر اللّه، و في حدوده و معاصيه، على قريب الناس و بعيدهم، ثم لا تأخذك في أحد الرأفة حتى تنتهك منه مثل ما انتهك من حرمه. و اجعل الناس سواء عندك، لا تبال على من وجب الحق، و لا تأخذك في اللّه لومة لائم. و إياك و الأثرة و المحاباة، فيما ولاك اللّه مما أفاء اللّه على المؤمنين، فتجور و تظلم، و تحرم نفسك من ذلك ما قد وسعه اللّه عليك.

و قد أصبحت بمنزلة من منازل الدنيا و الآخرة، فإن اقترفت‌ [4] لدنياك عدلا و عفة مما بسط اللّه لك، اقترفت به إيمانا و رضوانا، و إن غلبك الهوى و مالت بك شهوة، اقترفت به سخط اللّه و معاصيه. و أوصيك أ لا ترخص لنفسك و لا لغيرك في ظلم أهل الذمة. و قد أوصيتك و حضضتك، و نصحت لك، أبتغي بذلك وجه اللّه و الدار الآخرة. و اخترت من دلالتك ما كنت دالا عليه نفسي و ولدي، فإن عملت بالذي وعظتك، و انتهيت إلى الذي أمرتك، أخذت به نصيبا وافيا، و حظا وافرا. و إن لم تقبل ذلك و لا يهمك، تنزل معاظم الأمور عند الذي يرضى اللّه به عنك، يكن ذلك بك انتقاصا، و رأيك فيه مدخولا،


[1] الفي‌ء: الغنيمة و الخراج.

[2] الحواشي: صغار الابل.

[3] عن يد: عن ذل.

[4] اقترفت: اكتسبت، اقتنيت.

اسم الکتاب : البيان و التبيين المؤلف : الجاحظ    الجزء : 2  صفحة : 32
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست