اسم الکتاب : البيان و التبيين المؤلف : الجاحظ الجزء : 2 صفحة : 28
التفهّم إذا حدّثت، ما لم يجد عند أحد فيمن مضى، و لا يظن أنه يجده فيمن بقي» .
و قال له مرة أخرى: «و اللّه إنك لتستقفي حديثي، و تقف عند مقاطع كلامي، و تخبر عنه بما كنت قد أغفلته» .
و قال أبو الحسن: قالت امرأة لزوجها: ما لك إذا خرجت إلى اصحابك تطلّقت و تحدثت، و إذا كنت عندي تعقدت و أطرقت؟قال: «لأنني أجل عن دقيقك، و تدقين عن جليلي» .
و قال أبو مسهر: «ما حدثت رجلا قط إلا أعجبني حسن إصغائه، حفظ عني أم ضيع» .
و قال أبو عقيل بن درست: «نشاط القائل على قدر فهم المستمع» .
و قال أبو عباد كاتب أحمد بن ابي خالد: «للقائل على السامع ثلاث:
جمع البال، و الكتمان، و بسط العذر» .
و قال أبو عباد: «إذا أنكر القائل عيني المستمع فليستفهمه عن منتهى حديثه، و عن السبب الذي أجرى ذلك القول له: فإن وجده قد أخلص له الاستماع أتم له الحديث، و إن كان لاهيا عنه حرمه حسن الحديث و نفع المؤانسة، و عرفه بفسولة [1] الاستماع، و التقصير في حق المحدث» .
و أبو عباد هذا هو الذي قال: «ما جلس بين يدي رجل قط إلا تمثل لي إني سأجلس بين يديه» .
و ذكر رجل من القرشيين عبد الملك بن مروان، و عبد الملك يومئذ غلام، فقال: «إنه لآخذ بأربع، و تارك لأربع: آخذ بأحسن الحديث إذا حدث، و بأحسن الاستماع إذا حدّث، و بأيسر المئونة إذا خولف، و بأحسن البشر إذا لقي و تارك لمحادثة اللئيم، و منازعة اللجوج، و مماراة السفيه، و مصاحبة المأفون» .