اسم الکتاب : البيان و التبيين المؤلف : الجاحظ الجزء : 2 صفحة : 228
و استدم الراهن منها بكرم الجوار، و استفتح باب المزيد بحسن التوكل، و لا تحسب أن سبوغ ستر نعم اللّه عليك غير متقلّص عما قريب إذا لم ترج للّه وقارا. و إني لأخشى أن يأتيك أمر اللّه بغتة، أو الإملاء [1] فهو أوبأ مغبة، و اثبت في الحجة، و لأن لا تعمل و لا تعلم خير من أن تعلم و لا تعمل. إن الجاهل لم يؤت من سوء نية و لا استخفاف بربوبية، ليس كمن قهرته الحجة و اعرب له الحق مفصحا عن نفسه، فآثر الغفلة، و الخسيس من الشهوة، على اللّه عز و جل، فأسمحت نفسه عن الجنة، و اسلمها لآبد العقوبة. فاستشر عقلك و راجع نفسك، و ادرس نعم اللّه عندك، و تذكر احسانه إليك، فإنه مجلبة للحياء، و مردعة للشهوة، و مشحذة على الطاعة، فقد أظل البلاء أو كأن قد، فكفكف عنك غرب شؤبوبه [2] ، و جوائح سطوته، بسرعة النزوع، و طول التضرّع، ثلاث هي اسرع في العقل من النار في يبيس العرفج: إهمال الفكرة، و طول التمني، و الاستغراب في الضحك. إن اللّه لم يخلق النار عبثا، و لا الجنة هملا، و لا الإنسان سدى. فاعترف رقّ العبودية، و عجز البشرية، فكل زائد ناقص، و كلّ قرين مفارق قرينه، و كل غني محتاج، و إن عصفت به الخيلاء و أبطره العجب، و صال على الأقران، فإنه مذال مدبر، و مقهور ميسّر. إن جاع سخط المحنة، و إن شبع بطر النعمة. ترضيه اللمحة فيستشري مرحا، و تغضبه الكلمة فيستطير شققا، حتى تنفسخ لذلك منّته، و تنتقض مريرته، و تضطرب فريصته [3] ، و تنتشر عليه حجّته. و للعجب من لبيب توبقه الحياطة، و يسلم مع الإضاعة، و يؤتى من الثقة و لا يشعر بالعاقبة. إن أهمل عمي، و إن علّم نسي. كيف لم يتخذ الحق معقلا ينجيه، و التوكل ذائدا يحميه. أعمي عن الدلالة، و عن وضوح الحجة، أم آثر العاجل الخسيس، على الآجل النفيس؟و كيف توجد هذه الصفة مع صحة العقدة [4] ، و اعتدال الفطرة؟و كيف يشير رائد العقل، بإيثار القليل الفاني على الكثير الباقي. و ما