اسم الکتاب : البيان و التبيين المؤلف : الجاحظ الجزء : 2 صفحة : 12
و لذلك كرهوا ركوب الصعب حتى يذل، المهر الأرن إلا بعد رياضة [1]
و لم يحولوا المعانيق هماليج إلا بعد طول التخليع [2] ، و لم يحلبوا الزبون إلا بعد الإبساس [3] .
[من أقوال رسول اللّه و أحاديثه و خطبه]
و سنذكر من كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، مما لم يسبقه إليه عربي، و لا شاركه فيه أعجمي، و لم يدّع لأحد و لا ادّعاه أحد، مما صار مستعملا و مثلا سائرا.
فمن ذلك قوله: «يا خيل اللّه اركبي» ، و قوله: «مات حتف أنفه» ، و قوله: «لا تنتطح فيه عنزان» ، و قوله: «الآن حمي الوطيس» .
و لما قال عديّ بن حاتم [4] في قتل عثمان رحمه اللّه: «لا تحبق فيه عناق» [5] قال له معاوية بن أبي سفيان بعد أن فقئت عينه و قتل ابنه: يا أبا طريف، هل حبقت في قتل عثمان عناق؟قال: أى و اللّه، و التيس الأكبر! فلم يصر كلامه مثلا، و صار كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم مثلا.
و من ذلك قوله لأبي سفيان بن حرب: «كل الصيد في جوف الفرا» .
و من ذلك قوله: «هدنة على دخن، و جماعة على أقذاء» [6] ، و من ذلك قوله: «لا يلسع المؤمن من جحر مرتين» .
[2] المعانيق: السريعة. هماليج: التي تسير متبخترة. تخليع: سير مفكك.
[3] الزبون: الناقة التي تضرب حالبها. الابساس: صوت الراعي و هو يسكن الناقة عند الحلب.
[4] عدي بن حاتم الطائي الذي ضرب به المثل في الجود كان نصرانيا فأسلّم و اشترك في فتوح العراق و سكن الكوفة و تشيع لعلي و شهد معه الجمل و صفين و عمر طويلا نحو 120 سنة.