اسم الکتاب : البيان و التبيين المؤلف : الجاحظ الجزء : 2 صفحة : 101
الحليم فينهاه. قال: كم أتت عليك سنة؟قال: خمسون و ثلاثمائة. قال: فما أدركت؟قال: أدركت سفن البحر ترفأ إلينا في هذا الجرف، و رأيت المرأة من أهل الحيرة تأخذ مكتلها على رأسها و لا تتزود إلا رغيفا و غحدا، فلا تزال في قرى مخصبة متواترة حتى ترد الشام. ثم قد اصبحت خرابا يبابا، و ذلك دأب اللّه في العباد و البلاد.
قال: و أتى أزهر بن عبد الحارث رجل من بني يربوع، فقال: أ لا أدخل؟قال: وراءك أوسع لك. قال: قد أحرقت الشمس رجلي. قال: بل عليهما تبردا. فقال: يا آل يربوع!قال: ذليلا دعوت. يا بني دريص، أطعمتكم عاما أو جلّة، فأكلتم جلتكم، و أغرتم على جلة الضيفان.
و قال الحجاج لرجل من الخوارج: أجمعت القرآن؟قال: أ متفرقا كان فأجمعه. قال: أ تقرؤه ظاهرا؟قال: بل أقرؤه و أنا انظر إليه. قال:
أ فتحفظه؟قال: أ خشيت فراره فأحفظه. قال: ما تقول في أمير المؤمنين عبد الملك؟قال: لعنه اللّه و لعنك معه. قال: إنك مقتول فكيف تلقى اللّه؟.
قال: ألقى اللّه بعملي و تلقاه أنت بدمي.
و قال لقمان لابنه و هو يعظه: يا بني، أزحم العلماء بركبتيك، و لا تجادلهم فيمقتوك، و خذ من الدنيا بلاغك، و أبق فضول كسبك لآخرتك، و لا ترفض الدنيا كلّ الرفض فتكون عيالا، و على أعناق الرجال كلاّ، و صم صوما يكسر شهوتك، و لا تصم صوما يضر بصلاتك، فإن الصلاة أفضل من الصوم، و كن كالأب لليتيم، و كالزوج للأرملة، و لا تحاب القريب، و لا تجالس السفيه، و لا تخالط ذا الوجهين البتة.
و سمع الأحنف رجلا يطري يزيد عند معاوية، فلما خرج من عنده اسحنفر [1] في ذمهما، فقال له الأحنف: مه، فإن ذا الوجهين لا يكون عند اللّه وجيها.