responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البيان و التبيين المؤلف : الجاحظ    الجزء : 1  صفحة : 78

العالم الكبير، لأنه يصور بيديه كل صورة، و يحكي بفمه كل حكاية، و لأنه يأكل النبات كما تأكل البهائم، و يأكل الحيوان كما تأكل السباع و إن فيه من أخلاق جميع أجناس الحيوان أشكالا.

و إنما تهيأ و أمكن الحاكية لجميع مخارج الأمم، لما أعطى اللّه الإنسان من الاستطاعة و التمكين، و حين فضله على جمع الحيوان بالمنطق و العقل و الاستطاعة. بطول استعمال التكلف ذلت جوارحه لذلك. و متى ترك شمائله على حالها، و لسانه على سجيته، كان مقصورا بعادة المنشأ على الشكل الذي لم يزل فيه. و هذه القضية مقصورة على هذه الجملة من مخارج الألفاظ، و صور الحركات و السكون. فأما حروف الكلام فإن حكمها إذا تمكنت في الألسنة خلاف هذا الحكم. أ لا ترى أن السندي إذا جلب كبيرا فإنه لا يستطيع إلا أن يجعل الجيم زايا و لو أقام في عليا تميم، و في سفلى قيس، و بين عجز هوازن، خمسين عاما. و كذلك النبطي القح، خلاف المغلاق الذي نشأ في بلاد النبط، لأن النبطي القح يجعل الزاي سينا، فإذا أراد أن يقول زورق قال سورق، و يجعل العين همزة، فإذا أراد أن يقول مشمعل، قال مشمئل.

و النخاس يمتحن لسان الجارية إذا ظن أنها رومية و أهلها يزعمون أنها مولدة بأن تقول ناعمة، و تقول شمس، ثلاث مرات متواليات.

و الذي يعتري اللسان مما يمنع من البيان أمور: منها اللثغة التي تعتري الصبيان إلى أن ينشئوا، و هو خلاف ما يعتري الشيخ الهرم الماج‌ [1] ، المسترخي الحنك، المرتفع اللثة، و خلاف ما يعتري أصحاب اللكن من العجم، و من ينشأ من العرب مع العجم، فمن اللكن ممن كان خطيبا، أو شاعرا، أو كاتبا داهيا زياد بن سلمى أبو أمامة، و هو زياد الأعجم. قال أبو عبيدة: كان ينشد قوله:

فتى زاده السلطان في الود رفعة # إذا غير السلطان كل خليل‌


[1] الماج: الهرم الذي يمج ريقه و لا يستطيع حبسه.

اسم الکتاب : البيان و التبيين المؤلف : الجاحظ    الجزء : 1  صفحة : 78
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست