كان إدراك الثمار في الربيعين ووضع الأحمال من الملاقيح ونتائج الخير في أصناف المعاش من الزرع والضّرع في الصيف ، وإن كانت مبادئها في أوائل الشّتاء ثم تمت حالا بعد حال فكانت تنتظر في آجالها وقتا بعد وقت انتظار ما في بطون الحاملات ، فجعلوا الشّتاء ذكرا والصّيف أنثى . وهذا شرح ما رماه الشّاعر في قوله :
لو لا الذي غرس الشّتاء بكفه * لاقى المصيف هشايما لا تثمر
وذكر أنّ منهم من يجعل الشّتاء نصفين الشّتاء أوّله والرّبيع آخره ، وكذلك يجعل الصّيف نصفين الصّيف أوّله والقيظ آخره . و ذكر ابن كناسة أبو يحيى أن العرب تسمّي الشّتاء الرّبيع الأوّل والصّيف الرّبيع الآخر وأن أحدا منهم لم يذكر الخريف في الأزمنة لأنّ الخريف عند العرب اسم لأمطار آخر القيظ ، وهذا إذا تؤمل أسفر عن أنهم يجعلون الرّبيع اسما للنّدى والجزء ، لكنّهم فصلوه بالشّتاء لشدّة برده ثم اشتهر الرّبيع اسما لما لان من طرفي الوقت . حكى ابن الأعرابي عن الغنوي أنه قال : يلقى الرّاعي صاحبه فيقول : أين تربّعت العام إذا سقطت الصرفة [1] ؟ وسقوطه عند انصرام نصف السّنة الشّتوية . وقال الفراء ربعية القوم ميرتهم في أول الشّتاء ، وأبين من جميع ما ذكرنا أنّهم يسمّون الفرع المؤخر فرع الرّبيع وهو من الشّتاء . وقال النّابغة وقد جعل الحرب كالميرة :
و كانت لهم ربيعة يحذرونها * إذا خضخضت ماء السّماء القنايل
[1] الصرفة في القاموس منزلة للقمر نجم واحد نير يتلو الدبرة سمي لانصراف البرد وبطلوعها ، محمد شريف الدين عفا عنه .