اسم الکتاب : المحكم والمحيط الأعظم المؤلف : ابن سيده الجزء : 10 صفحة : 565
الألفِ دليلُ الإضافةِ والتعريفِ ، ووجودُ اللامِ دليلُ الفصلِ والتنكيرِ ،
وهذانِ ـ كما تراهما ـ متدافعانِ ، والفرقُ بينهما أن قولَهم : (لا أبا لك) كلامٌ جرى مجرى المثلِ ، وذلك أنك إذا قلتَ هذا ؛
فإنك لا تنفى فى الحقيقةِ
أباه ، وإنما
تُخْرِجه مَخْرجَ الدعاءِ عليه ، أى أنت عندى ممن يستحقُّ أن يُدعى عليه بفقد أبيه
، وأنشد توكيدا لما رآه من هذا المعنى قوله :
ولم يقل : لا
أخت لها. ولكن لما جرى هذا الكلام على أفواههم : لا
أبا لك ، ولا أخا
لك ؛ قيل مع المؤنث على حدّ ما يكون عليه مع المذكر ، فجرى هذا نحوًا من قولهم لكل
أحدٍ من ذكر وأنثى أو اثنين أو جماعة : الصيفَ ضيعتِ اللبنَ ، على التأنيث ؛ لأنه
كذا جرى أوّلُه ، وإذا كان الأمر كذلك ؛ عُلم أن قولَهم : لا أبا لك ، إنما فيه تعادِى ظاهرِه من اجتماع صورتَىِ الفصْلِ
والوصْلِ والتعريف والتنكير لفظًا لا معنًى ، ويؤكد عندك خروجَ هذا الكلامِ مخرجَ
المثلِ كثرتُه فى الشعر ، وأنه يقال لمن له أبٌ
، ولمن لا أبَ له ، وهذا الكلام دعاء فى المعنى لا محالة ، وإن كان فى
اللفظ خبرا ، ولو كان دعاء مصرَّحا ؛ لما جاز أن يقال لمن لا أب له ؛ لأنه إذا كان
لا أب له ، لم يجُز أن يُدعَى عليه بما هو فيه لا محالة ، ألا ترى أنك لا تقول
للفقير : أفقره الله ، فكما لا تقول لمن لا أب له : أفقدك اللهُ أباك ، كذلك تعلم
أن قولهم ـ لمن لا أب له ـ لا
أبا لك ، لا
حقيقةَ لمعناه مطابقة للفظه ، وإنما هى خارجةٌ مخرجَ المثلِ ، على ما فسّره أبو
علىّ. قال عنترة :