اسم الکتاب : وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى المؤلف : المنقري، نصر بن مزاحم الجزء : 1 صفحة : 53
و روى البيهقي حديث عائشة من طريق هشام بن عروة عن أبيه، و فيه «قال هشام:
فكان المولود يولد بالجحفة فلا يبلغ الحلم حتى تضرعه الحمى [1]».
و قال الخطابي: كان أهل الجحفة إذ ذاك يهودا، و قيل: إنه لم يبق أحد من أهلها إلا أخذته الحمى.
قال النووي: و هذا علم من أعلام نبوته (صلّى اللّه عليه و سلم) فإن الجحفة من يومئذ وبية، و لا يشرب أحد من مائها إلا حم.
و بطحان: من أودية المدينة كما سيأتي، و الماء الآجن: المتغير الطعم و اللون.
الوباء بالمدينة جاهلي قديم
و اتفق أهل الأخبار أن الوباء بالمدينة كان شديدا، حتى روى ابن إسحاق عن هشام بن عروة قال: كان وباؤها معروفا في الجاهلية، و كان الإنسان إذا دخلها و أراد أن يسلم من وبائها قيل له: انهق، فينهق كما ينهق الحمار.
و في دلائل النبوة من طريق هشام عن أبيه عن عائشة قالت: «قدم رسول الله (صلّى اللّه عليه و سلم) المدينة و هي أوبأ أرض الله، و واديها بطحان نجل يجري عليه الأثل» قال هشام: و كان وباؤها معروفا في الجاهلية، و كان إذا كان الوادي وبيا فأشرف عليه الإنسان قيل له: انهق نهيق الحمار، فإذا فعل ذلك لم يضره وباء ذلك الوادي، قال الشاعر حين أشرف على المدينة:
و روى ابن شبة عن عامر بن جابر قال: كان لا يدخل المدينة أحد إلا من طريق واحد، من ثنية الوداع، فإن لم يعشّر بها- أي: ينهق كالحمار عشرة أصوات في طلق واحد- مات قبل أن يخرج منها، فإذا وقف على الثنية قيل: قد ودع، فسميت ثنية الوداع، حتى قدم عروة بن الورد العبسي، فقيل له: عشر بها، فلم يعشر، و أنشأ يقول:
ثم دخل فقال: يا معشر يهود، ما لكم و للتعشير؟ قالوا: إنه لا يدخلها أحد من غير أهلها فلم يعشّر بها إلا مات، و لا يدخلها أحد من غير ثنية الوداع إلا قتله الهزال، فلما ترك عروة التعشير تركه الناس و دخلوا من كل ناحية.