اسم الکتاب : وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى المؤلف : المنقري، نصر بن مزاحم الجزء : 1 صفحة : 103
يؤتى به إلا مغلولا، و إلا أرسل إليه، فقيل لابن الزبير: أ لا نصنع لك أغلالا من فضة تلبس عليها الثوب و تبر قسمه فالصلح أجمل بك؟ قال: فلا أبرّ الله قسمه، ثم قال:
و لا ألين لغير الحق أسأله * * * حتى يلين لضرس الماضغ الحجر
ثم دعا إلى نفسه، فوجه إليه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة المري في جيش أهل الشام، و أمرهم بقتال أهل المدينة، فإذا فرغ من ذلك صار إلى مكة، قال: فدخل مسلم بن عقبة المدينة، و هرب منه يومئذ بقايا أصحاب رسول الله (صلّى اللّه عليه و سلم) و عاث فيها، و أسرف في القتل، ثم خرج منها، فلما كان في بعض الطريق مات و استخلف حصين بن نمير الكندي، ثم ذكر حصاره ابن الزبير، و رميه بالمنجنيق، و احتراق الكعبة، قال: و بلغ حصين بن نمير موت يزيد بن معاوية فهرب.
قلت: و سبب أمر يزيد بقتال أهل المدينة ما ذكره الإمام ابن الجوزي قال: لما دخلت سنة اثنين و ستين ولّى يزيد عثمان بن محمد بن أبي سفيان المدينة، فبعث إلى يزيد وفدا من المدينة، فلما رجع الوفد أظهروا شتم يزيد، و قالوا: قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر، و يعزف بالطنابير، و يلعب بالكلاب؛ و إنا نشهدكم أنا قد خلعناه. و قال المنذر: أما و إله لقد أجازني مائة ألف درهم، و لا يمنعني ما صنع أن أصدقكم عنه؛ و الله إنه يشرب الخمر، و إنه ليسكر حتى يدع الصلاة؛ ثم بايعوا لعبد الله بن حنظلة الغسيل؛ و أخرجوا عثمان بن محمد عامل يزيد؛ و كان ابن حنظلة يقول: يا قوم؛ ما خرجنا على يزيد حتى خفت أن نرمى بالحجارة من السماء؛ و الله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت الله فيه بلاء حسنا؛ و كانت قصة الحرة سنة ثلاث و ستين؛ و في هذه السنة أخرج أهل المدينة عامل يزيد المتقدم ذكره.
قلت: و في كتاب الحرة للواقدي ما ملخصه: أن أول ما هاج أمر الحرة أن ابن ميناء كان عاملا على صوافي [1] المدينة- و بها يومئذ صواف كثيرة- حتى كان معاوية يجد بالمدينة و أعراضها مائة ألف و سق و خمسين ألف وسق، و يحصد مائة ألف و سق حنطة، و استعمل يزيد على المدينة عثمان بن محمد بن أبي سفيان؛ و أن ابن ميناء أقبل بشرج له من الحرة يريد الأموال التي كانت لمعاوية؛ فلم يزل يسوقه و لا يصده عنه أحد حتى انتهى إلى بلحارث بن الخزرج، فنقب النقيب فيهم، فقالوا: ليس ذلك لك، هذا حدث و ضرر علينا، فأعلم الأمير عثمان بن محمد بذلك، فأرسل إلى ثلاثة من بلحارث، فأجابوه إلى أن يمر به، فأعلم ابن ميناء فغدا بأصحابه فذبّوهم [2]، فرجع إلى الأمير فقال: اجمع لهم
[1] الصوافي: الأملاك، و الأرض مات أهلها و لا وارث لها. و- الضياع كان يستخلصها السلطان لخاصته.