سلّط اللّه عليها الزمهرير الذي يعذب به أهل جهنم، مع ما يحتاج الإنسان منها إليه من الدثار و المؤن المجحفة.
فوجوهكم يا أهل همذان متشققة، و أنوفكم سائلة، و أطرافكم خضرة، و ثيابكم متّسخة و روائحكم قذرة، و لحاكم دخانية [1]، و سبلكم منقطعة، و الفقر عليكم ظاهر و المستور في بلدكم مهتوك. لأن شتاءكم يهدم الحيطان و يبرز الحصان و يفسد الطرق و يشعث الآطام. فطرقكم و حلة تتهافت فيها الدواب، و تقذر فيها الثياب و تتحطم الإبل و تنخسف فيها الآبار و تغيض المياه، و تكف السطوح و تهيج الرياح العواصف، و تكون فيها الزلازل و الخسوف و الرعود و البروق و الثلوج و الدمق. فتنقطع عند ذلك السبل و يكثر الموت و تضيق المعايش. فالناس في جبلكم هذا سائر أيام الشتاء يتوقعون العذاب و يخافون السخطة و العقاب، ثم يسمونه العدو المحاصر و الكلب الكلب. و لذلك كتب عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه إلى بعض عمّاله: إنه قد أظلكم الشتاء و هو العدو المحاصر، فاستعدوا له الفراء و استنعلوا الحذاء. و قد قال الشاعر:
إذا جاء الشتاء فأدفئوني* * * فإن الشيخ يهدمه الشتاء
فالشتاء يهدم الحيطان، فكيف الأبدان، لا سيما شتاؤكم الملعون؟
ثم فيكم أخلاق الفرس و جفاء العلوج و بخل أهل أصفهان و وقاحة أهل الري و فدامة أهل نهاوند و غلظ طبع أهل همذان. على أن بلدكم هذا أشدّ البلدان بردا و أكثرها ثلجا و أضيقها طرقا و أوعرها مسلكا و أفقرها أهلا.
و كان يقال: إن أبرد البلدان ثلاثة: برذعة و قاليقلا و خوارزم. و هذا قول من لم يدخل بلدكم و لم يشاهد شتاءكم. و قد حدثني أبو جعفر محمد بن إسحاق المكتّب قال: لما قدم عبد اللّه بن المبارك همذان، أوقدت بين يديه، فكان إذا سخن باطن كفّه أصاب ظاهرها البرد. و إذا سخن ظاهرها أصاب باطنها البرد، فقال:
[1] تأتي بعد هذا في آثار البلاد 484: و ألوانهم باذنجانية.