اسم الکتاب : الإصابة في تمييز الصحابة المؤلف : العسقلاني، ابن حجر الجزء : 1 صفحة : 65
(أبو هريرة) المفترى عليه (رضي اللَّه عنه)
طعن أرباب الأهواء قديما و حديثا في أبي هريرة- رضي اللَّه عنه ليتخلصوا من أحاديثه التي تقف دون أهوائهم، و تردّ كيدهم. في نحورهم، و سندهم في هذه المطاعن إمّا روايات مكذوبة أو ضعيفة، و إما روايات صحيحة لم يفهموها على وجهها، بل تأوّلوها تأويلا باطلا يتفق و أهواءهم، و إنّا لذاكرون لك بعضا من هذه الطّعون، و الجواب عنها بإيجاز ليكون ذلك نموذجا يحتذي في الدّفاع عن هذا الصّحابي الجليل، فنقول و باللَّه التوفيق:
(أ)- مما طعن به أهل الأهواء في صدق أبي هريرة- رضي اللَّه عنه- «حديث الوعاءين» و هو ما رواه البخاريّ من باب «حفظ العلم» من كتاب «العلم» عن أبي هريرة قال:
«حفظت من رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و سلّم) وعاءين، فأمّا أحدهما فبثثته و أمّا الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم» [1].
قالوا: هذا الحديث لو صح لترتّب عليه أن يكون النّبي (صلى اللَّه عليه و سلّم) قد كتم شيئا من الوحي عن جميع الصحابة سوى أبي هريرة، و ذلك لا يجوز بإجماع المسلمين.
و الجواب: أنه ليس في الحديث ما يفيد أن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و سلّم) قد اختصه بهذا الوعاء دون غيره من الصحابة، و على تقدير أنه اختصه بهذا الوعاء دون غيره من الصّحابة، فليس فيه شيء من كتمان الوحي الّذي أمر اللَّه رسوله أن يبلغه النّاس.
قال ابن كثير: «هذا الوعاء الّذي كان لا يتظاهر به هو الحروب و الفتن و الملاحم، و ما وقع بين الناس من الحروب و القتال و ما سيقع». أ ه.
فالإخبار عن بعض الحروب و الملاحم الّتي ستقع ليس مما يتوقف عليه شيء من أصول الدّين أو فروعه، فيجوز للنّبيّ (صلى اللَّه عليه و سلّم) أن يخص مثل هذا النّوع من الوحي شخصا دون الآخر، أو فريقا دون فريق.
(ب)- و ممّا اتّخذ شبهة على صدق أبي هريرة في الحديث
أنه كان يروي عن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و سلّم) «من أدرك الصّبح و هو جنب فلا يصم»، و يفتي به النّاس فبلغ ذلك عائشة و أمّ سلمة- رضي اللَّه عنهما- فأنكرتا عليه، و ذكرتا «أن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و سلّم) كان يدركه الفجر و هو جنب من أهله ثم «يغتسل و يصوم»،
فرجع إلى حديثهما و قال: كذلك حدثني الفضل بن العبّاس
[1] أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 258 كتاب العلم باب حفظ العلم (42) حديث رقم 118.
اسم الکتاب : الإصابة في تمييز الصحابة المؤلف : العسقلاني، ابن حجر الجزء : 1 صفحة : 65