اسم الکتاب : المنتظم في تاريخ الأمم و الملوك المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 9 صفحة : 65
علي بن محمد القرشي قال: حدّثنا علي بن الموفق، حدّثنا منصور بن عمار قال:
خرجت ذات ليلة فظننت أني قد أصبحت، فإذا عليّ ليل، فقعدت عند باب صغير، فإذا بصوت [1] شاب يبكي و يقول: و عزتك و جلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك/، و لقد عصيتك حين عصيتك، و ما أنا بنكالك جاهل، و لا بعقوبتك متعرض، و لا بنظرك مستخف، و لكن سوّلت لي نفسي، و غلبتني شقوتي، و غرّني سترك المرخي عليّ، عصيتك حين عصيتك [2] بجهلي، و خالفتك بجهدي، فالآن من عذابك من يستنقذني، و بحبل من أتصل إن قطعت حبلك عني؟ وا سوأتاه على ما مضى من أيامي في معصية ربي، يا ويلي كم أتوب و كم أعود، قد آن [3] لي أن أستحي من ربي.
قال منصور: فلما سمعت كلامه، قلت: أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم، بسم اللَّه الرحمن الرحيم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ ..[4] الآية، فسمعت صوتا و اضطرابا شديدا، فمضيت لحاجتي، فلما أصبحت [5] رجعت، و إذا أنا بجنازة على الباب، و عجوز تذهب.
و تجيء، فقلت لها: من الميت؟ فقالت: اذهب [عني] [6] لا تجدد عليّ أحزاني [7].
فقلت: إني رجل غريب. فقالت: هذا ولدي، مرّ بنا البارحة رجل [8]- لا جزاه اللَّه خيرا- فقرأ آية فيها ذكر النار، فلم يزل ولدي يضطرب و يبكي حتى مات.
قال منصور: هكذا و اللَّه صفة الخائفين يا ابن عمار.